- المطلب الخامس: حفظ المال:
المال هو عصب الحياة وقوامـها، فهو يشـمل كل ما يمتلكه الإنسان مما يمكن حصره؛ لأنه وسيلة الحياة في هذه الدنيا، والحاجة إلى المال ماسة في حق الفرد والجماعة أو الأمة لقيام مصالحهم الدينية والدنيوية؛ لأنه إذا فقد [ ص: 114 ] أو قل تصبح الحياة مهددة بالفقر، ويكون ذلك خطرا على الدين، فهو يزرع في ضعاف النفوس الشك في عدالة الله وحكمته الإلهية في الكون، بل قد يكون سببا للكفر؛ لأن الفقر قد يؤدي إلى الكفر، وإذا انتشر الفقر في أمة فإنها تتحطم وتفقد أهم مقوماتها، والأمة مطالبة بمجموعها بالدفاع عن دين الله، ولا بد لها من أسباب، والمال أحد هذه الأسباب، يقول ابن باديس: «مال المرء كقطعة من بدنه، يدافع عنها كما يدافع عن نفسه، وبه قوام أعماله في حياته» [1] .
فالأمة الفقيرة يتسلط عليها أعداؤها ويذلونها، وهذا واضح في واقعنا اليوم، فالدولة الفقيرة المحتاجة إلى المال يتسلط عليها أعداؤها فيطمعون فيها، وينشرون فيها ما يريدون من مذاهب وأفكار هدامة تحت مطرقة الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي تارة، وتارة باسم التعليم وفتح المدارس، وتارة باسم لجان الإغاثة العالمية؛ كل هذه الأمور وغيرها تؤكد أن المال ضرورة للأمة الإسلامية، فضلا عن دولها [2] .
يقول الطاهر بن عاشور: «ما يظن بشريعة جاءت لحفظ نظام الأمة وتقوية شوكتها وعزتها، إلا أن يكون لثروة الأمة في نظرها المكان السامي من الاعتبار والاهتمام، وإذا استقرينا أدلة الشريعة من القرآن والسنة الدالة [ ص: 115 ] على العناية بمال الأمة وثروتها، والمشيرة إلى أن به قوام أعمالها وقضاء نوائبها، نجد من ذلك أدلة كثيرة تفيدنا كثرتها يقينا بأن للمال في نظر الشريعة حظا لا يستهان به»[3] .
فالمقصود من المال في الشريعة الإسلامية ليس الكنـز والتفاخر به، فقد توعد الله بالعذاب من يفعل ذلك، بل المقصود منه تحقيق مصالح العباد الشرعية، فمنه ما يؤلف على الإسلام، فيعطى من يرجى إسلامه، أو يخاف شره دفاعا عن المسلمين، ومنه ما تسد به حاجة الفقراء والمساكين، وقد جعل الله لهم فيه حقا ثابتا،
قال تعالى: ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) (المعارج:24-25)
وغيرها من المصالح العامة والخاصة.
فالمال لا يحمد إلا إذا كان خادما للدين، كمـا قال صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالا فسـلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ) [4] .
وشرع لإيجاد حفظ المال: إباحة المعاملات؛ وشرع للمحافظة عليه تحريم السرقة وحد السارق، وتحريم إتلاف مال (الغير) ، والحجر على السفيه والمجنون ونحوهما. [ ص: 116 ] ومما سبق يمكن القول: إن السياسة الاقتصادية الإسلامية تعتمد على هذه الأصول وهذه الوسائل الشرعية الكفيلة بحفظ هذا المقصد، إدراكا منها أن المال قوام الأعمال في الحياة، فكلما ازدادت الرشادة في استخدامه تزايدت فرص الحياة الكريمة، وتحسنت شروطها، فالمحافظة على الأموال يرفع من درجة الكفاءة الاقتصادية في استخدامها وتخصيصها وترتفع إمكانيات الاعتماد على الذات.. والمقصود بحفظ المال هو صيانته من الهدر والتبذير؛ فأما ما يتعلق بالأموال العامة فيكون بالمحافظة على الثروات المتاحة والموارد المتوافرة لتحديد فترة الانتفاع بها، وأما حفظ الأموال الفردية فيكون عن طريق تنميتها واستخدامها استخداما رشيدا لصيانتها وإعادة إنتاجها لأصحابها لتحقيق وظيفتها الفردية والاجتماعية [5] .
ولذلك حرص الإسلام على الجانب المالي وعده ركنا ثالثا من أركان الإسلام، كما في فريضة الزكاة، وما حدث من حروب الردة إلا تأكيد من الخليفة الراشد أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، على أهمية هذا الركن؛ لأن به قيام مصالح الأمة وقضاء نوائبها.
لقد بين الإمام أبو حامد الغزالي المهمات، التي تقتضيها سعادة الإنسان، بست وهي: المأكل، حيث لابد للإنسان من قوت حلال يقيم صلبه، والملبس، وأقله ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة، والمسكن وأثاث البيت، والمنكح، وما يكون وسيلة لهذه الخمس وهما الجاه والمال [6] . [ ص: 117 ]