- المطلب الثاني: أشكال أخرى مقترحة للاكتتاب العام:
أولا: سندات الأعيان المؤجرة [1] :
سندات الأعيان المؤجرة هي صكوك أو أوراق مالية تمثل أجزاء متساوية من ملك بناء مؤجر، حيث يقوم متولي الوقف بإصدار هذه السندات وبيعها للجمهور وبسعر يسـاوي نسـبة حصة السـند من البناء إلى مجموع تكلفة البناء المزمع إنشاؤه. فلو كانت كلفة البناء عشرة ملايين دينار وقسـم البناء إلى مليون وحدة صـدر فيها مليون سـند أعيان مؤجرة، لكان سعر بيع السـند الواحد عند إصداره من ناظر الوقف هو عشـرة دنانير.
ويتضمن السند إذنا لمتولي الوقف من حملة السندات بالبناء على الوقف. كما يعطي السند توكيلا من حامله لناظر الوقف بالبناء على أرض الوقف للمشروع الإنشائي المحدد وبكلفة محددة، بحيث يقوم الناظر بالبناء [ ص: 131 ] وكالة عن حملة السندات. كما يتضمن السند أيضا اتفاقا مع متولي الوقف لتأجيره المبنى عند اكتماله بأجرة محددة متفق على مقدارها والمواعيد الدورية لدفعها، وتوكيلا للناظر بتسليم المبنى للوقف نفسه، مع التصريح بقبول ذلك، بالأجرة المحددة المتفق عليها بدءا من تاريخ اكتمال البناء وصيرورته في حالة يصلح فيها الاستعمال.
ولا يجوز تداول هذه السندات قبل أن يحول أكثر ما تمثله من حالة النقود إلى حالة الأموال العينية والحقوق، أي أن على الناظر أن يعلن للجمهور تاريخ بدء جواز تداول السندات.
وعلى الرغم من أن حقيقة هذه السندات هي أنها تمثل حصة في ملكية أعيان مادية مؤجرة، إلا أنها تصبح، في السوق، أشبه بسندات الخزينة [2] ، من حيث تثمينها عند التداول، لأنها تباع بسعر سوقي يتأثر تحديده بالفرق بين عائدها المحدد مسبقا وعائدية الفرصة البديلة في السوق المالية. والسبب في هذا التشابه هو أن هذه السندات تمنح الحق لحاملها بالحصول على الأجرة المحددة مسبقا.
ويمكن لهذه السندات أن تصدر بآجال متعددة. فمنها ما يمكن إصداره بحيث يكون السند دائما يحتسب فيه ضمنا تكلفة تجديد الأصل الثابت الذي [ ص: 132 ] تمثله السندات. ويكون عقد الإجارة فيه لآجال طويلة متجددة على مبدأ عقود الإجارة المترادفة كما هو معروف في الفقه الإسلامي.
كما يمكن أن تصدر السندات بآجال محددة، تنتهي إما بشراء الأصل الثابت بسعر السوق من قبل ناظر الوقف، أو بتحويله إلى وقف بعد عشرين سنة من التأجير مثلا، فيكون ذلك في أصل عقد إصدار سندات الإجارة، وهو ما يسمى عادة على وفق المصطلح الشرعي (الإجارة المنتهية بالتمليك) .
ثانيا: أسهم التحكير [3] :
أسهم التحكير هي درجة بين سندات الأعيان المؤجرة وأسهم المشاركة؛ لأنها تشبه كلا من أسهم المشاركة وسندات الإجارة من بعض الوجوه. فهي تشبه سندات الأعيان المؤجرة في أنها تمثل حصصا متساوية من ملكية بناء ملتزم بعقد إجارة لمدة الاستثمار. وهذا البناء يقام - بطريقة التوكيل - على أرض الوقف.
وهي تشبه أسهم المشاركة في أن عوائدها تمثل الربح الصافي الذي هو الفرق بين الإيرادات والمصروفات للمشروع الاستثماري. فهي غير محددة مسبقا - خلافا لعائدات الأعيان المؤجرة.
ولكن أسهم التحكير مرتبطة - من جهة أخرى - مع الوقف بأسهم إجارة على الأرض تقتطع بموجبه أجرة الأرض - لصالح الوقف - من [ ص: 133 ] عائدات المشروع بكامله، من أجل الوصول إلى معرفة عائدات المشروع الصافية التي تستحق لأصحاب أسهم التحكير.
فأسهم التحكير هي إذن أسهم تمثل حصصا متساوية في بناء يقوم على أرض وقفية مستأجرة من الوقف بعقد إيجار طويل الأجل هو عقد التحكير، وبأجرة محددة لكامل مدة العقد [4] . ويدير الناظر استثمار البناء وكالة عن أصحابه ولصالحهم. ويوزع الأرباح الصافية على أصحاب الأسهم، وبالتالي فإن ناظر الوقف – بصفته وكيلا، بأجر أو بدون أجر، لأصحاب أسهم التحكير – يقوم ببناء الإنشاءات على أرض الوقف، ثم إدارة واستثمار الوقف، ثم إدارة استثمار المشروع بأكمله (أرضا ومبنى) ، ثم يقتطع الأجرة المتفق عليها للأرض لصالح الوقف، ويوزع العائد الصافي على أصحاب أسهم التحكير.
ويمكن أن تكون أسهـم التحـكير دائمة أو محددة المدة، تنتهي بشرائها بسعر السوق من الوقف أو بوقفها بنص في أصل العقد، بعد استعـادة أصـل رأس المـال النقدي والعائد المرغوب به من خلال الأقساط الإيرادية. [ ص: 134 ]
ثالثا: سندات المقارضة [5] :
تقوم فكرة سندات المقارضة على عقد المضاربة شأنها شأن الودائع الاستثمارية لدى المصارف الاستثمارية، ففي سندات المقارضة يتقبل ناظر الوقف الأموال النقدية – بصفته مضاربا- كما يتقبل البنك الإسلامي الودائع النقدية الاستثمارية. ولكن ناظر الوقف يقبل هذه الأموال ويصدر فيها وثائق متساوية القيمة، كل سند بمائة دينار مثلا.
فسندات المقارضة هي إذن سندات بقيمة اسمية متساوية تمثل رأس المال مضاربة مع الوقف. ويستحق أصحابها أرباح المشروع الوقفي حسب الاتفاق ويتحملون الخسائر حسب حصصهم في رأس مال المشروع.
ويسـتعمل الناظر هذه الأموال في اسـتثمار محدد متفق عليه مع أربابها. وهذا الاسـتعمال هو تنمية أموال الوقف كأن يبني مسـتشفى على أرض الوقف ثم يسـتعملها تجاريا، ويقوم بحساب الربح أو الخسارة في آخر كل دورة مالية، وتوزيعها، ريثما تنتهي المضاربة حيث يتم حساب الربح والخسارة النهائية وتوزيعها حسب الاتفاق، ثم يعيد القيمة الاسمية ناضة عند انتهاء المضـاربة إلى أصحاب سـندات المقارضة، وذلك بتنضيض [6] أموال المضاربة. [ ص: 135 ] فإذا كان حساب الأرباح عن كل مدة مالية دورية صحيحا ودقيقا، بحيث يعكس جميع الأرباح العادية، الرأسمالية، فإن القيمة الحقيقية لسند المقارضة ينبغي أن تلتقي مع القيمة الاسمية عند تاريخ حساب الأرباح والخسائر، أي بعد توزيع الأرباح (أو الخسائر) مباشرة، كما يحصل فعلا بالنسبة للودائع الاستثمارية لدى البنوك الإسلامية، التي ترد بقيمتها الاسمية عند انتهاء مدة المالية المحددة، وبعد توزيع الأرباح والخسائر.
كل ذلك يعني أنه إذا ما تم احتساب الأرباح أو الخسائر، بالمعنى الشرعي، عند انتهاء كل مدة مالية، فإن القيمة الاسمية بعد دفع الأرباح عند نهاية كل مدة تمثل القيمة الحقيقية لسند المقارضة، فيصبح عند شرائه من السوق، أو إطفائه بالقيمة الاسمية سيان؛ لأن القيم الاسمية ستكون متماثلة مع القيمة الحقيقية في السوق، شأنه في ذلك شأن الودائع الاستثمارية ذات الأجل، التي ترد بقيمتها الاسمية عند انتهاء آجالها على أساس التنضيض الحكمي، أي بعد احتساب الأرباح بشكل تقديري صحيح.
ومن جهة أخرى، فإن العوامل التي تؤثر على سعر سند المقارضة في السوق المالية منها ما هو حقيقي يرتبط بالوضع المالي والاقتصادي للمشروع نفسه، وبيئته الاقتصادية التي يعمل ضمنها. وهذه العوامل كلها مما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار عند إجراء التنضيض الحكمي اللازم لحساب الأرباح والخسائر، في جميع أنواع عقود المضاربة، سواء منها ما كان بشكل ودائع استثمارية، أم بشكل سندات مقارضة. [ ص: 136 ] أما العوامل التي تبنى على التوقعات والتخمينات فهي مما يختلف فيه الناس، ولكنها تؤول إلى الواقع الفعلي مع إعلان الأرباح الفعلية [7] ، مما يجعل سعر السوق يؤول إلى القيمة الاسمية مضافا إليها الأرباح المتوقعة قبل إعلانها. وبمعنى آخر، فإن القيمة السوقية تؤول إلى القيمة الاسمية عند تاريخ احتساب الأرباح ودفعها، شريطة أن يكون التنضيض الحكمي قد أخذ بعين الاعتبار العوامل الداخلية في المشروع نفسه والعوامل الاقتصادية المحيطة به مثل اتجاهات السوق فيما يتعلق بمنتجاته وأصوله.
فلابد من الإشارة إلى أن العبرة في العقود والمعاملات هي المعاني والمقاصد، لا الألفاظ والمباني، فالمعول عليه في الجواز والتحريم هو السلامة من المحاذير الشرعية أو وجودها. فجواز الاكتتاب بالسندات مبني على سلامتها من المحاذير الشرعية. وتحريم السندات لما يترتب عليها من القرض بالفائدة، لا لكون اسمها سندات.
وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي إصدار ما يعرف بصكوك الاستثمار وسندات المقارضة بضوابط معينة تنتفي فيها المحاذير الشرعية التي ترد على السندات الربوية، وتتحقق بها قواعد وضوابط المضاربة الشرعية، وفضل أن يطلق على سندات المقارضة «صكوك الاستثمار»، بدل سندات المقارضة. [ ص: 137 ]