المبحث الثاني
اعتبار المآل
قال الإمام ابن تيمية: "ينبغي أن يراعى في ذلك - أي في النهي عن المنكر - ألا يؤول إلى منكر أعظم منه" (مجموعة الفتاوى، 22 / 191 ).
تعتبر مسألة النظر في المآلات [1] من المسائل التي لها علاقة وطيدة بتنـزيل الأحكام على واقع المكلفين، لما له من اعتبار للمتوقع لتسديد العملية التنـزيلية. لذلك وجب عند تنـزيل الأحكام على الوقائع والمكلفين أن ينظر إلى المآلات والعواقب، التي يفضي إليها التطبيق لمعرفة تداعيات تنـزيل الحكم المستقبلية والبناء عليها في الحكم على الفعل، لئلا يفضي عدم اعتبارها إلى وقوع الفعل مناقضا لما قصد به شرعا، فمعرفة حكم الفعل لا تغني عن الاجتهاد في تطبيقه ومعرفة آثاره المترتبة عليه" [2] .
فبغير هذا المنهج في تحقيق المآل عند التطبيق يصبح التطبيق آليا حتى وإن حقق مناطه، وهذه الآلية ربما أفضت في أحيان كثيرة إلى مشاق وأضرار [3] ، [ ص: 107 ] فإذا تحقق للمجتهد أو غلب على ظنه أن تطبيق أي حكم في الشريعة يفضي في ظرف من الظروف إلى مآل يناقض المقاصد التي استهدفها التشريع، فإنه لا يجوز المصير إلى ذلك بأي حال من الأحوال [4] .
كما أن المآل في الاعتبار الاجتهادي يقتضي نظرا تطوريا، أي غير سكوني. ذلك أن اعتبار المآل في تنـزيل الحكم الشرعي، هو نظر إلى الواقع في صيرورته الحركية. فالمآل: هو ذلك الواقع المصار إليه، بعد حركة الواقع المشاهد. وفرق بين هذا، وبين نظر الفقيه في الفتوى إلى الواقع، باعتبار حاله دون مآله.
فهذا نظر سكوني وتأمل ثابت. أما النظر في المآل، فهو رصد الحركة المتغيرة المؤثرة على الحكم الشرعي بعد تنـزيله، وإلباسه ظروف الزمان والمكان المتوقعة [5] .
وقد تطرق الإمـام ابن تيمية لمسألة المآل، لكن دون تفصـيل فيها، وإنما جاء ذلك أثناء إصدار فتاويه، وكان يعبر الإمام عن هذا الأصل تارة بقوله "يؤول"، وتارة بقوله: "يفضي"، وتارة بالعاقبة، وما إلى ذلك من المصطلحات التي تؤدي نفس الغرض. [ ص: 108 ]
كما أن معنى المصطلح كان رائجا ولكن تحت أسماء أخرى نحو: سد الذرائع، والحيل، وغيرها مما يندرج تحت مراعاة مآلات الأحكام.
ومن المباحث المتعلقة بالمآل والتي تطرق لها الإمام: مبحث الموازنات، وقد أولاه الإمام عناية كبيرة مما جعله أحد أبرز عناصر فكره المقاصدي، وكذلك مبحث الذرائع، ومبحث الحيل.