1703 - مسألة : وفرض ما [ ص: 253 ] طابت به نفسه ، مما يسمى مالا في أول عقد للكتابة ، ويجبر السيد على ذلك . على السيد أن يعطي المكاتب مالا من عند نفسه
فلو مات قبل أن يعطيه كلف الورثة ذلك من رأس المال مع الغرماء .
برهان ذلك قول الله تعالى : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } فهذا أمر لا يجوز تعديه - وهو قول ، الشافعي ، إلا أن وأبي سليمان تناقض ، فرأى قول الله تعالى : { الشافعي فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } على الندب - ورأى وقوله تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } على الوجوب - وهذا تحكم ، وكلا الأمرين لم يجد فيه عددا ما أحدهما : موكول إلى السيد ، والآخر : موكول إليه وإلى العبد بالمعروف ، مما لا حيف فيه ولا مشقة ، ولا حرج عليهما .
وقال ، أبو حنيفة : كلا الأمرين ندب قوله تعالى : { ومالك وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } أمر للسيد ولغيره .
قال : هذا خطأ . أما قولهم " كلا الأمرين ندب " فلا يحل أن يحمل قول الله تعالى : افعلوا ، على : لا تفعلوا إن شئتم - ولا يفهم هذا المعنى أحد من هذا اللفظ - وهذه إحالة لكلام الله تعالى عن مواضعه إلا بنص آخر ورد بذلك . أبو محمد
وأما قولهم " إنه أمر للسيد وغيره " فباطل ; لأنه معطوف على قوله : { فكاتبوهم } .
فصح ضرورة أن المأمورين بالكتابة لهم : هم المأمورون بإتيانهم من مال الله ، لا يفهم أحد من هذا الأمر غير هذا - فظهر فساد قولهم وتحكمهم بالدعوى بلا دليل .
وروينا هذا القول : أنه حث عليه السيد وغيره عن من طريق فيها بريدة الأسلمي الحسن بن واقد - وهو ضعيف - ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقالت طائفة : أمر بذلك السيد وغيره ، فهؤلاء رأوه واجبا . كما روينا من طريق نا سعيد بن منصور عن هشيم ، يونس والمغيرة ، قال : عن يونس الحسن وقال المغيرة : عن ثم اتفقا في قول الله تعالى : { إبراهيم وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قال : أمر الله تعالى مولاه والناس أن يعينوا المكاتب . [ ص: 254 ]
ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عبد الأعلى نا وشهدته كاتب عبدا له على أربعة آلاف فحط عنه ألفا في آخر نجومه - ثم قال : سمعت أبو عبد الرحمن السلمي يقول : { علي بن أبي طالب وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } الربع مما تكاتبوهم عليه .
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن عبد الله - هو ابن المديني - نا عن المعتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم في قوله تعالى : { مجاهد وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قال : ربع الكتابة - وروينا أيضا في أنه عشر الكتابة .
وروينا من طريق عن عبد الرزاق عن معمر في قول الله تعالى : { قتادة وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قال : هو العشر يترك له من كتابته .
وممن قال : إنه واجب كما روينا من طريق نا وكيع أبو شبيب عن عكرمة عن : أن ابن عباس كاتب مولى له يقال له : عمر بن الخطاب أبو أمية ، فجاءه بنجمه حين هل ؟ فقال له : يا عمر أبا أمية اذهب فاستعن به ، فقال : يا أمير المؤمنين لو كان هذا في آخر نجم ؟ فقال : لعلي لا أدركه ، قال عمر عكرمة ثم قرأ : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم }
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا المبارك بن فضالة حدثتني أمي عن أبي عن جدي عبيد الله الجحدري قال المبارك : وحدثني ميمون بن جابان عن عمي عن جدي ، قال : سألت المكاتبة ؟ قال لي : كم تعرض ؟ قلت : مائة أوقية ، قال : فما استزادني ، قال : فكاتبني وأرسل إلى عمر بن الخطاب إني كاتبت غلامي ، وأردت أن أعجل له طائفة من مالي فأرسلي إلي بمائتي درهم إلى أن يأتيني شيء ؟ فأرسلت بها إليه ، فأخذها حفصة أم المؤمنين بيمينه وقرأ : { عمر والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } خذها بارك الله فيها
قال : لقد كان أشبه بأمور الدين ، وأدخل في السلامة أن يقول الحنفيون بقول علي في هذه المسألة ، وأن يقولوا : مثل هذا لا يقال بالرأي منهم ، حيث يقولون ما [ ص: 255 ] يضحك الثكالى ، ويبعد من الله تعالى ، ومن المعقول : أنه إن انكشف في فخذ الحرة في الصلاة ، أو من الساق ، أو من البطن ، أو من الذراع ، أو من الرأس الربع : بطلت الصلاة ، فإن انكشف أقل لم تبطل الصلاة ، لا سيما وقد روينا من طريق أبو محمد عن إسحاق بن راهويه نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء بن السائب عن حبيب بن أبي ثابت عاصم بن ضمرة عن { علي بن أبي طالب وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قال : ربع الكتابة } . عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : {
ومن طريق الدبري عن نا عبد الرزاق أخبرني ابن جريج أن عطاء بن السائب عبد الله بن حبيب - هو أبو عبد الرحمن السلمي - أخبره عن { علي بن أبي طالب وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قال : ربع الكتابة } ، قال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم { : فإن قيل : فلم لم تأخذوا بهذا الحديث ؟ قلنا : لأن علي لم يسمع من ابن جريج إلا بعد اختلاط عطاء بن السائب . عطاء
وروينا من طريق نا العقيلي إبراهيم بن محمد نا نا سليمان بن حرب أبو النعمان عن قال : تغير حفظ يحيى بن سعيد القطان ابن السائب بعد سمع منه قبل أن يتغير . وحماد بن زيد
ومن طريق نا العقيلي محمد بن إسماعيل نا نا الحسن بن علي الحلواني - قال : كان علي - هو ابن المديني لا يروي حديث يحيى بن سعيد القطان إلا عن عطاء بن السائب ، شعبة وسفيان
قال : فصح اختلاطه ، فلا يحل أن يحتج من حديثه إلا بما صح أنه كان قبل اختلاطه ، وهؤلاء الذي ذكرنا لم يرو أحد منهم عنه إلا موقوفا على أبو محمد رضي الله عنه وأما هم فإذا وافق الخبر رأيهم لم يعللوه - وإن كان موضوعا - فإذ قد سقط هذا الخبر فلا حجة لأهل هذه المقالة . علي
واحتج القائلون بأنه على الندب بحديث كتابة سلمان رضي الله عنه وبحديث { عائشة أم المؤمنين وقعت في سهم جويرية أم المؤمنين [ ص: 256 ] أو ابن عم له فكاتبها فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستعينه فقال لها عليه الصلاة والسلام : أو خير من ذلك أقض عنك كتابتك وأتزوجك ثابت بن قيس } أن
قالوا : فلم يذكر في هذين الخبرين إيتاء مال المكاتب .
قال : لا حجة لهم في شيء من هذا . أما خبر علي سلمان فإن مالكه كان يهوديا غير ذمي ، بل منابذ لا تجري عليه أحكام الإسلام ، فلا متعلق لهم بهذا .
وأعجب شيء احتجاجهم به فيما ليس فيه له ذكر من إيتاء المال ، ومخالفتهم له فيما أجازه فيه نصا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إحياء ثلاثمائة نخلة ، وأربعين أوقية من ذهب إلى غير أجل مسمى ، ولا مقبوضة ، وهم لا يجيزون شيئا من هذا ، فسبحان من أطلق ألسنتهم بهذه العظائم التي يجب أن يردع عنها الحياء ، وأن يردع عنها الدين .
وأما خبر : فليس فيه على ماذا كاتبها ، ولا هل كاتب إلى أجل أم إلى غير أجل ، فيلزم على هذا أن يكون حجة في إجازة الكتابة إلى غير أجل ، وكل كتابة أفسدوها إذ لم يذكروا فيها إيتاء المال ، فليس فيه : أنها لم تؤت المال ، فلا متعلق لهم به ، فكيف وهي كتابة لم تتم بلا شك ; لأنه لم يقل أحد من أهل العلم : أن جويرية كانت مولاة جويرية أم المؤمنين لثابت ، ولا لابن عمه ، بل قد صح { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها } .
فبطل كل ما موهوا به - والحمد لله رب العالمين .
وقالوا : لو كان فرضا لكان محدود القدر .
قال : فقلنا : من أين قلتم هذا ؟ وما المانع من أن يفرض الله تعالى علينا عطاء يكله إلى اختيارنا ؟ وأي شيء أعطيناه كنا قد أدينا ما علينا . أبو محمد
وهلا قلتم هذا في المتعة التي رآها الحنفيون ، والشافعيون فرضا - وهي غير محدودة القدر ؟ وهلا قال هذا المالكيون في الخراج المضروب على الأرض المفتتحة عنوة - وهو عندهم فرض غير محدود القدر ؟ [ ص: 257 ] وكما قالوا فيما أوجبوا فيه الحكومة فرضا من الخراج - وهو غير محدود القدر ؟ فسبحان من جعل لهم عند أنفسهم وفي ظنهم : أن يتعقبوا على الله تعالى حكمه بما لا يتعقبونه على أنفسهم فيما يشرعونه في الدين بآرائهم - .
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
تم كتاب الكتابة والحمد لله رب العالمين .