وقد ذكرنا اختلاف قيمة الإبل في قول ، عمر بن عبد العزيز ، فبطل بذلك دعواهم الكاذبة على جميع الأمة في دعواهم أنهم أجمعوا . وإبراهيم النخعي
بل الحق في هذا أن يقال : لما صح الإجماع المتيقن ، والنص الثابت : أن - واختلفوا فيما عدا ذلك - : وجب أن لا تكون الدية إلا مما أجمعوا عليه فقط . الدية تكون من الإبل
وموهوا أيضا - بأن قالوا : لما كانت الدية من الإبل ثم نقلت إلى الذهب والفضة على سبيل التقويم ، وكانت القيمة المعهودة لا تكون إلا من الذهب والفضة : وجب أن لا تكون الدية إلا من الذهب والفضة .
قال رضي الله عنه : هذا الباطل الثاني يكذب باطلهم الذي موهوا قبل هذا به ; لأن هنالك راموا أن يجعلوا الذهب ، والفضة ، في الدية توقيفا لا بدلا بقيمة ، وهنا أقروا أنها بدل بقيمة ، فلو استحى هؤلاء القوم من المجاهرة بالتخليط في نصر الباطل لكان خيرا لهم . أبو محمد
ثم نقول لهم : إذ قد أقررتم أنها بدل بقيمة فهي على قدر ارتفاع القيمة وانخفاضها ، ولا ندري أي شيء اتفقوا عليه في البدل والتقويم ؟ .
[ ص: 289 ] وموهوا أيضا - بأن قالوا : لما صح أن الدية لا تكون من الخيل ، ولا من الحمير ، ولا من العروض : وجب أن لا تكون أيضا من البقر ، ولا من الغنم ، ولا من الثياب .
قال رضي الله عنه : وهذا قياس والقياس كله باطل ، ثم نعكس عليهم قياسهم الفاسد فنقول لهم : لما صح عندكم أن الدية تكون من غير الإبل وجب أن تكون من كل شيء إلا مما اتفقتم على أن لا تكون منه . أبو محمد
وأيضا - فإن الإبل حيوان تجب فيه الزكاة ، وقد صح أن الدية تكون منها ، فوجب أن يقاس عليها البقر والغنم ; لأنهما حيوان يزكى .
والحق من هذا - هو أنه لما صح أن الدية لا تكون من الخيل ، ولا من الحمير ، ولا من العروض ، وجب أيضا أن لا تكون من الذهب ، ولا من الفضة ، ولا مما عدا ما جاء به النص والاتفاق .
والعجب - أن الحنفيين يقولون : إن ضعيف الأثر أولى من القياس ، وها هنا نقضوا هذا الأصل الذي صححوه .
وشغب المالكيون منهم بآثار نذكرها إن شاء الله تعالى : وهي أثر - روينا من طريق أنا زيد بن الحباب العكلي محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } قال أنه قضى بالدية اثني عشر ألف درهم ؟ رضي الله عنه : أبو محمد محمد بن مسلم الطائفي ساقط لا يحتج بحديثه .
ومنها أثر - رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن ميمون أنا عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار عن عكرمة سمعت مرة يقول : عن { ابن عباس } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باثني عشر ألف درهم - يعني في الدية
قال رضي الله عنه : هذا لا حجة فيه ; لأن قوله في الخبر المذكور - يعني في الدية - ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في الخبر بيان أنه من قول أبو محمد ، [ ص: 290 ] فالقطع بأنه قوله حكم بالظن ، والظن أكذب الحديث ، فإن كان من قول من دون ابن عباس فلا حجة فيه ، وقد يقضي عليه الصلاة والسلام باثني عشر ألفا في دين ، أو في دية بتراضي الغارم والمقضي له ، فإن ليس في هذا الخبر بيان أنه قضاء منه عليه الصلاة والسلام بأن الدية اثنا عشر ألف درهم - فلا يجوز أن يقحم في الخبر ما ليس فيه . ابن عباس
والقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن كذب عليه ، وهذا يوجب النار - ونعوذ بالله مما أدى إليها .
والذي رواه مشاهير أصحاب عنه في هذا الخبر فإنما هو عن ابن عيينة عكرمة لم يذكر فيه ، كما رويناه من طريق ابن عباس عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار عن عكرمة قال { لبني عدي بن كعب رجلا من الأنصار فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في ديته باثني عشر ألفا ، } والمرسل لا تقوم به حجة . : قتل مولى
وذكروا أيضا - ما رويناه من طريق الأوزاعي عن عمرو بن سعيد عن يزيد الرقاشي عن قال { أنس } . : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أجلس مع قوم يذكرون الله عز وجل من بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفا
قال رضي الله عنه : أبو محمد يزيد الرقاشي ضعيف لا يحتج به .
وذكروا ما رويناه من طريق عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . من قرأ بخمسمائة إلى ألف آية أصبح وله قنطار في الآخرة ، والقنطار دية أحدكم اثنا عشر ألفا
قال رضي الله عنه : هذا مرسل ، ولا حجة في مرسل إلا أن الحنفيين نقضوا هاهنا أصولهم أقبح نقض ; لأنهم يقولون : المرسل والمسند سواء ، وكلاهما أولى من النظر ، وتركوا هاهنا هذه المراسيل ، وهم يحتجون في نصر رأي أبو محمد بمثلها ، وبأسقط منها . أبي حنيفة
فصح أنهم متلاعبون لا تحقيق عندهم إلا في نصر رأي الذي رضوا به بدلا من القرآن ، ومن بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ [ ص: 291 ] أبي حنيفة
وقالوا : لعل هذه الآثار إنما أراد فيها بذكر الاثني عشر ألفا أنها وزن كل عشرة منها وزن ستة مثاقيل .
قال رضي الله عنه : وهذا من أسخف كلام في الأرض ; لأن العشرة آلاف درهم عندهم لا يختلفون أنها وزن سبعة آلاف مثقال . أبو محمد
ولا يختلف المالكيون في أن الاثني عشر ألف درهم هي وزن ثمانية آلاف مثقال وأربعمائة ، فعاد قولهم : وزن ستة مثاقيل في العشرة هذيانا لم يعقل قط قديما ولا حديثا .
وشغب المالكيون أيضا بخبر - : رويناه من طريق أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل عبد الله بن عون الخراز أنا عفيف بن سالم الموصلي عن عبد الله بن المؤمل عن عبد الله بن أبي مليكة عن قالت : كان جان يطلع على عائشة بنت طلحة عائشة أم المؤمنين فخرجت عليه مرة بعد مرة ، فأبى إلا أن يظهر فعدت عليه بحديدة فقتلته ، فأتيت في منامها ، فقيل لها : أقتلت فلانا ، أما إنه قد كان شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يطلع عليك لا حاسرا ولا متجردا إلا أنه كان يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فأخذها ما تقدم وما تأخر ؟ فذكرت ذلك لأبيها ؟ فقال : تصدقي باثني عشر ألف درهم ديته . قال رضي الله عنه : هذا لا شيء - أبو محمد عفيف بن سالم مجهول لا يدرى من هو ؟ وعبد الله بن المؤمل هو المكي : ضعيف لا يحتج به .
وأشبه ما في هذا الباب - فخبر رويناه من طريق أنا يحيى بن سعيد القطان أبو يونس حاتم بن أبي صغيرة عن عن ابن أبي مليكة عن عائشة بنت طلحة عائشة أم المؤمنين أنها قتلت جانا ، فأتيت في منامها ، وقيل لها : والله لقد قتلته مسلما ؟ قالت : لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل : أو كان يدخل عليك إلا وعليك ثيابك ؟ فأصبحت فزعة ، فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلتها في سبيل الله عز وجل . قال رضي الله عنه : لا حجة لهم في هذا ; لأنه ليس في هذا الخبر أنها قصدت بذلك قصد دية وجبت عليها ، فزيادة ذلك عليها كذب لا يحل ، وإنما هي صدقة تصدقت بها . أبو محمد
ولا يختلف المالكيون في أن القتل ليس إلا عمدا أو خطأ ، فإن كان قتلها له خطأ فليس فيه أنها كفرت بعتق رقبة - وهي المفترضة في القرآن - لا الاثني عشر ألف [ ص: 292 ] درهم - : وإن كان قتلها له عمدا ، فهم لا يختلفون في أنه لا دية في العمد ، إنما هو القود ، أو العفو ، أو ما تراضوا عليه ، ولا شك في أنها - رضي الله عنها - لم تراض مع عصبة الجني على الاثني عشر ألف درهم : فبطل أن يكون للدية هاهنا مدخل ، وإنما هي أحلام نائم لا يجوز أن تشرع بها الشرائع ، والأظهر أنها من حديث النفس - فصح : أنها صدقة تطوع منها - رضي الله عنها - فقط ، لا يجوز غير ذلك أصلا .
وموهوا بما روينا من طريق أنا إسماعيل بن إسحاق إبراهيم بن الحجاج أنا عبد الوارث بن سعيد التنوري أنا عن حسين المعلم أن عمرو بن شعيب جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار - وهذا منقطع . عمر بن الخطاب
ومن طريق أنا وكيع عن سفيان الثوري أيوب بن موسى عن مكحول قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والدية ثمانمائة دينار ، فخشي من بعده فجعل الدية اثني عشر ألفا ، وألف دينار . قال عمر رضي الله عنه : نشهد بشهادة الله عز وجل أن هذا كذب موضوع ، وقد أعاذ الله تعالى أبو محمد - رضي الله عنه - من أن يبدل ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقر الحكم ، ثم مات عمر - رضي الله عنه - عليه . أبو بكر
وأحمق الحمق قول من وضع هذا الخبر " فخشي من بعده فجعلها ألف دينار واثني عشر ألف درهم " ليت شعري ماذا خشي ممن بعده ، وكيف خشي من بعده إن ترك الدية ثمانمائة دينار ، ولم يخش من بعده إذ بلغها ألف دينار أو اثني عشر ألفا ؟ هل في النوك أكثر من هذا الكلام ؟ ما شاء الله كان ، لقد كيدت ملة الإسلام من كل وجه ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره . عمر
وتالله لو جاز أن يزيد فيما مضى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بعده لتجوزن لمن بعد وأبو بكر الزيادة على فعل عمر قطعا ، بل الزيادة على حكم عمر أخف من الزيادة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم عمر بعده - ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذه الضلالة ، وهذا عيب المرسل ، فتأملوه ؟ . أبي بكر
ومن طريق عن حماد بن سلمة أن يحيى بن سعيد الأنصاري لما [ ص: 293 ] رأى أثمان الإبل تختلف قال : لأقضين فيها بقضاء لا يختلف فيه بعدي ، فقضى على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لم يولد أبو محمد إلا بعد موت يحيى بن سعيد الأنصاري بنحو نيف وأربعين عاما . عمر
وبالله الذي لا إله إلا هو ما قال قط هذا الكلام ، وما كان في فضله - رضي الله عنه - ليقطع على ما يكون بعده ، لا سيما وقد ظهر كذب هذا القول الذي أضافوه إلى عمر ، فإن الخلاف في ذلك لأظهر من أن يجهله من له أقل علم ، وهذا من عيوب المرسل فاحذروه ؟ . عمر
وذكروا - ما رويناه من طريق أنا سعيد بن منصور أنا هشيم عن يونس بن عبيد الحسن أن قوم الإبل في الدية عشرين ومائة درهم كل بعير - هذا مرسل ، ثم إنما ذكر قيمة لا حدا محدودا ، ثم قد روي عن عمر بن الخطاب غير هذا على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . عمر
وذكروا ما روينا من طريق أنا إسماعيل بن إسحاق أنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد ابن أبي نجيح عن أبيه أن امرأة قتلت في الحرم فجعل ديتها ثمانية آلاف درهم دية وثلث دية . ومن طريق عثمان بن عفان عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق أبي نجيح أن امرأة قتلت في الحرم فجعل ديتها ستة آلاف درهم ، وألفين عثمان للحرم .