قال رضي الله عنه : كلتا الطائفتين مخالفة لهذا الحكم مبطلة له ، فمن أضل وأخزى ممن يموه في دين الله عز وجل بالاحتجاج بشيء هو أول مبطل له - نعوذ بالله من الضلال . أبو محمد
وموهوا - بما روينا من طريق أنا إسماعيل بن إسحاق أنا سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة حماد أبي الحسن حدثني أبو سليمان أنه شهد قضى في ثنية امرأة على زوجها بثلاثمائة درهم قالوا : والثلاثمائة نصف عشر دية المرأة . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أبو محمد أبو سليمان مجهول لا يدري أحد من هو - وقد روي أيضا من طريق عن الحارث الأعور - علي والحارث كذاب .
[ ص: 294 ] ومن طريق عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق الزهري أن رجلا بالكوفة قتل خطأ فقال أهل القاتل : خذوا منا الإبل ؟ وكانت الإبل يومئذ رخاصا بعشرين وثلاثين ، فكتب في ذلك إلى المغيرة بن شعبة ؟ فكتب إليه معاوية : وكيف أصنع بقضاء معاوية في ذلك ؟ فقضى عليهم باثني عشر ألفا . قال عمر رضي الله عنه : هذا مرسل من طريق أبو محمد ابن الجهم أنا أنا أبي أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل أنا إسماعيل ابن علية خالد - هو الحذاء - عن عكرمة قال : قال : إني لأسبح كل يوم ثنتي عشرة ألف تسبيحة قدر ديتي . قال أبو هريرة : هذا لا حجة لهم فيه ; لأن أبو محمد لم يقل إن الدية اثنا عشر ألف درهم إنما قال في اثنتي عشرة ألف تسبيحة قدر ديتي إذ أنها يرجو أن تكون فداءه من النار - كما أن الدية فداء من القتل ، ولا يشك أحد في أن التسبيح ليس دية . أبا هريرة
ثم لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن طريق عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عبد الرحمن بن أبي زيد عن قال : قتل رجل في نافع بن جبير البلد الحرام في شهر حرام ؟ فقال : ديته اثنا عشر ألف درهم ، وللشهر الحرام أربعة آلاف ، وللبلد الحرام أربعة آلاف . قال ابن عباس رضي الله عنه : الحنفيون والمالكيون مخالفون لهذا الحكم عاصون له - فسقط أن يكون لهم تعلق بأحد من الصحابة - رضي الله عنهم - فعارضهم الحنفيون فقالوا : قد رويتم من طريق أبو محمد عن وكيع عن ابن أبي ليلى الشعبي عن عبيدة السلماني قال : وضع الديات فوضع على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أبو محمد سيئ الحفظ ، فخبرهم ساقط كخبر المالكيين ، وليس الذي رواه المالكيون بأولى من هذا الحديث ، فتدافعت هذه الأخبار الساقطة مع تناقضها فوجب إطراحها . ابن أبي ليلى
[ ص: 295 ] وقال الحنفيون : قد صح إجماعنا على عشرة آلاف درهم ؟ فقلنا : كذبتم وأفكتم - قد روينا من طريق عن حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة مكحول أن جعل الدية ثمانية آلاف درهم ، فإن قلتم : هذا منقطع ، وعن عمر بن الخطاب - وهو ضعيف ؟ قلنا : الحجاج وسائر ما روي في ذلك عن وابن أبي ليلى منقطع ، أو ضعيف - كما بينا قبل ولا فرق - . عمر
وقالوا أيضا : قد صح أن الدينار في الزكاة بعشرة دراهم فوجب أن يكون في الدية كذلك ؟ قال رضي الله عنه : قلنا : كذبتم وأفكتم ; لأن أبو محمد ابن أبي ليلى ، وشريك بن عبد الله ، والحسن بن حي ، وغيرهم ، لا يرون جمع الفضة إلى الذهب في الزكاة أصلا ، ولا يختلفون في أن من كان معه عشرون مثقالا من ذهب غير حبة ، ومائتا درهم فضة غير حبة ، وأقام كل ذلك عنده حولا كاملا فلا زكاة عليه في شيء من ذلك . والشافعي
ثم - الذي قلدتموه دينكم - لا يرى جمع الذهب إلى الفضة في الزكاة إلا بالقيمة - بالغة ما بلغت - ولو أنها درهم بدينار ، أو ألف درهم بدينار . أبو حنيفة
، وعطاء والزهري ، ، وغيرهم : يزكون الذهب بقيمة من الفضة - بالغة ما بلغت - . وسليمان بن حرب
فظهرت جرأتهم على الكذب ، نعوذ بالله من سوء مقامهم .
وأما المالكيون - فتناقضوا هاهنا أقبح تناقض بلا برهان ، إذ قدروا دينار الدية ، ودينار القطع في السرقة ، ودينار الصداق - برأيهم - باثني عشر درهما - وقدروا دينار الزكاة بعشرة دراهم ؟ وهذا تلاعب لا خفاء به ، وشرع في الدين لم يأذن به الله تعالى .
واستدركنا اعتراضا للحنفيين ، والمالكيين ، وهو أنهم قالوا : لو كانت الدنانير والدراهم أبدالا من الإبل لكانت دينا بدين ; لأن قضى بها في ثلاث سنين ؟ قلنا : عمر قضى بالدية حالة في قصة وعمر المدلجي التي هي أصح عنه من توقيته فيها ثلاث سنين - فما الذي جعل رواية لا تصح أولى من رواية عنه أخرى ؟ [ ص: 296 ] والعجب أنهم يأخذون بما روي عنه من إبدال خمسين دينارا أو خمسمائة درهم من الغرة ، ولم يروه دينا بدين .
ويقول الحنفيون فيمن : أن لها في البيت خمسين دينارا ، أو في الخادم أربعين دينارا ، ولم يروه دينا بدين - وما ندري نصا منع دينا بدين أصلا ، إنما ندري النص الثابت المانع من بيع ما لم يقبض ؟ . تزوج على بيت وخادم
قال : ثم نقول للطائفتين : إن كانت الآثار السخيفة التي موهتم بها حجة عندكم فإنكم قد افتضحتم في ذلك أقبح فضيحة ; لأن بعضها وغيرها قد جاءت بما خالفتموه ، وأخذ به غيركم من فقهاء أبو محمد المدينة والكوفة ، كما ذكرنا - ، كسعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير والزهري ، والشعبي ، ، وأبي يوسف ، القائلين : بأن الدية تكون من البقر ، والغنم ، والحلل ، كما أوردنا قبل . ومحمد بن الحسن
فمن ذلك - ما روينا من طريق أنا سعيد بن منصور أنا هشيم : سمعت محمد بن إسحاق يحدث { عطاء بن أبي رباح } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الدية في أموال المسلمين ما كانت ، فجعلها في الإبل مائة بعير ، وفي البقر مائتي بقرة ، وفي الغنم ألفي شاة ، وعلى أهل الذهب الذهب ، وعلى أهل الورق الورق - وجعل في الطعام شيئا لم يحفظه
ومن طريق عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق { عطاء بن أبي رباح } ومن طريق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على أهل الإبل مائة بعير ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة . عن عبد الرزاق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن جريج } . من كان عقله من الشاء فألفا شاة
فهذه مراسيل أحسن مما ذكرتم ، أو مثله .
ومن طريق : قرأت على أبي داود السجستاني سعيد بن يعقوب الطالقاني : حدثكم أبو تميلة يحيى بن واضح أنا أنا محمد بن إسحاق عن عطاء { جابر بن عبد الله } . فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية على أهل الإبل مائة بعير ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الطعام شيئا لا أحفظه
[ ص: 297 ] قال رضي الله عنه : لم يسنده إلا أبو محمد أبو تميلة يحيى بن واضح ، وليس بالقوي - ولو صح لقلنا به .
ومن طريق أبي داود أنا صاحب لنا ثقة أنا شيبان أنا أنا محمد بن راشد - عن سليمان - هو ابن موسى عن أبيه عن جده قال { عمرو بن شعيب } . قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البقر مائتي بقرة ، ومن كان عقله في الشاء فألفا شاة ، وفي المأمومة ثلث العقل ثلاثة وثلاثون من الإبل وثلث ، أو قيمتها من الذهب ، أو الورق ، أو البقر ، أو الشاء ، والجائفة مثل ذلك
ومن طريق أنا أبي داود السجستاني يحيى بن حكيم أنا عبد الرحمن بن عثمان أنا الحسين المعلم عن عن أبيه عن جده قال { عمرو بن شعيب أهل الكتاب يومئذ على النصف من دية المسلم - وكانت كذلك حتى استخلف - رضي الله عنه - فقام خطيبا فقال : ألا إن الإبل قد غلت ففرضها عمر بن الخطاب على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة - وترك دية عمر أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من أهل الدية . } قالوا : فهذه أحاديث أحسن من التي موهوا بها في أن الدية تكون من الذهب والفضة ، فما الذي منعهم من أن يأخذوا بها ، وهم يأخذون برواية : كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار ثمانية آلاف درهم - ودية عن أبيه عن جده إذا وافقت أهواءهم في تقليد عمرو بن شعيب ، مالك ، كاحتجاجهم بها في أن المرأة أولى بحضانة ولدها ما لم تنكح ، والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم ، وفي الموضحة خمس ، وغير ذلك - فأي دين يبقى مع هذا ؟ ونسأل الله تعالى التوفيق والعافية . وأبي حنيفة
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر الزهري قال { رخصت الورق وغلت الإبل : فجعلها عمر أوقية ونصفا - ثم غلت الإبل ورخصت الورق ، فجعلها عمر أوقيتين : فذلك ثمانية آلاف ، ثم لم تزل الإبل ترخص وتغلو حتى جعلها عمر اثني عشر ألف درهم ، أو ألف دينار - ومن البقر مائتي بقرة ، ومن الشاء ألف شاة . عمر } ومن طريق : كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير بكل أوقية بعير : فذلك أربعة آلاف ، فلما كان عن عبد الرزاق عن رجل عن معمر عكرمة قضى مكان كل بعير بقرتين - يعني في الدية - . أبو بكر الصديق
[ ص: 298 ] ومن طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال عمرو بن شعيب من كان عقله في الشاء فكل بعير بعشر شياه . ومن طريق أبو بكر الصديق عن حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة مكحول أن جعل الدية ثمانية آلاف ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة . ومن طريق عمر بن الخطاب أنا وكيع محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي عن عبيدة السلماني قال : وضع الديات فوضع على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم ، وعلى أهل الإبل مائة من الإبل ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ثنية ومسنة ; وعلى أهل الشاء ألف شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة - فهذا هو حديث الحنفيين الذي لا حديث لهم غيره ، أفلا يستحيون من العار - حسبنا الله ونعم الوكيل . عمر بن الخطاب
ومن طريق عن عبد الرزاق أخبرني ابن جريج عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : في كتاب أبيه : إن شاور السلف حين جند الأجناد ، فكتب : إن على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم ، وعلى أهل الإبل مائة من الإبل ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل البز من البز من نسج عمر بن الخطاب اليمن بقيمة خمسة خمسة - يعني دنانير - مائتي حلة ، أو قيمة ذلك مما سوى الحلل . وقضى في تغليظ الدية بأربعة آلاف درهم . ومن طريق عثمان بن عفان عن عبد الرزاق قال : قال ابن جريج { عمرو بن شعيب } وقضى : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيم الإبل على أهل القرى أربعمائة دينار ، أو عدلها من الورق ، وبقيمتها على أثمان الإبل ، فإذا غلت رفع في ثمنها ، وإذا هانت نقص من قيمتها على أهل القرى على ثمانمائة . في الدية على أهل الورق اثني عشر ألفا ، وقال : إني أرى الزمان تختلف فيه الدية تختفض فيه مرة من قيمة الإبل وترتفع مرة ، وإني أرى المال قد كثر ، وإني أخشى عليكم الحكام بعدي ، كأن يصاب الرجل المسلم فتهلك ديته [ ص: 299 ] بالباطل ، وأن ترتفع ديته بغير حق ، فتحمل على أقوام مسلمين فتجتاحهم ، عمر بن الخطاب ، ولا في الحرمة ، ولا على أهل القرى فيه تغليظ ، لا يزاد فيه على اثني عشر ألف درهم ، وعقل أهل البادية على أهل الإبل مائة من الإبل على أسنانها ، كما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل البقر مائتا بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفا شاة - ولم أقسم على أهل القرى إلا عقلهم يكون ذهبا ، وورقا ، فيقام عليهم . وليس على أهل القرى زيادة في تغليظ عقل ، ولا في الشهر الحرام
ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على أهل القرى في الذهب والورق عقلا مسمى لا زيادة فيه اتبعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، ولكنه كان يقيمه على أثمان الإبل .
قال رضي الله عنه : هكذا في كتابي عن أبو محمد حمام : قضى في الدية على أهل البقر اثني عشر ألفا - وهو وهم بلا شك - وإنما هو : قضى عمر في الدية على أهل الورق . قال عمر رضي الله عنه : هذا حديث المالكيين الذي موهوا ببعضه وتركوا سائره ، فإن كانت تلك الميتات والنطائح حجة عندهم ، فهذه المنخنقات والموقوذات مثلها وبتمامها وأحسن منها . أبو محمد
وإن موهوا هنالك بما لا يصح مما ذكر عن ، أبي بكر ، وعمر ، فهذا مثله عن وعثمان ، أبي بكر ، وعمر بالاحتجاج بذلك واطراح هذه : ضلال وتلاعب بالدين - وكلها لا خير فيها - الوضع ظاهر في جميعها . وعثمان
فقالوا : لعل ما روي من ذكر البقر ، والشاء ، والحلل ، إنما كان على التراضي من الفريقين ؟ قلنا : فلعل ما روي من ذكر ما لا يصح من الذهب والورق إنما كان على التراضي من الفريقين ، وإلا فما الفرق ؟ فصح أن لا دية إلا من الإبل - أو قيمتها إن عدمت - لو وجدت فقط .
ولو شئنا أن نحتج بأحسن مما احتجوا به لذكرنا الحديث الذي أوردناه قبل من طريق أنا قاسم بن أصبغ أحمد بن زهير أنا أنا الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة سليمان بن داود الجزري عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه [ ص: 300 ] عن جده { اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت باليمن وهذه نسختها ، فذكر فيه : وفي النفس : مائة من الإبل ، ولم يذكر ذهبا ، ولا ورقا ، } ولكن معاذ الله أن نحتج بما لا يصح - وبالله تعالى التوفيق . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل