الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          788 - مسألة : ومن نذر صوم سنة فقد قال قوم : يصوم اثني عشر شهرا لا يعد فيها رمضان ، ولا يوم الفطر ، والأضحى ، ولا أيام التشريق ، وفي هذا عندنا نظر والواجب عندنا أن لا يلزمه شيء ; لأن هذه الفتيا إلزام له ما لم ينذره ; لأن اسم سنة لا يقع إلا على اثني عشر شهرا متصلة لا مبددة ، وهو لا يقدر على الوفاء بنذره كما نذره ; فلا يجوز أن يلزم ما لم يلتزمه ولا نذره ، ولا أن يلتزم ما لم يمكن ، وما ليس في وسعه قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ومن ادعى هاهنا إجماعا فقد كذب ; لأنه لا يقدر على أن يأتي في ذلك برواية عن صاحب أصلا ، ولا نعلم في ذلك قولا عن تابع . وقد قال فيها أبو حنيفة يفطر فيها يومي الفطر والأضحى وأيام التشريق ، ثم يقضيها . وقال زفر : يفطر الأيام المذكورة ، ولا يقضيها . وقال مالك : يصوم ، ويفطر الأيام المذكورة ، ولا يقضي رمضان ، ولا الأيام المذكورة ، إلا أن ينوي قضاءها . وقال الليث : يصوم ويقضي رمضان ويومين مكان الفطر والأضحى ، ويصوم أيام التشريق . [ قال أبو محمد : فهذه الأقوال إما موجبة عليه ما لم ينذره ولا التزمه ، وإما مسقطة عنه ما نذر ] . [ ص: 431 ] قال أبو محمد : إن كان نذر صوم هذه الأيام وصوم رمضان عن نذره ; فقد نذر الضلال والباطل ، وأمرا مخالفا لدين الإسلام ; فلا يلزمه نذره ذلك لأنه معصية ، ولا يلزم صوم سائر الأيام لأنه غير ما نذر ، وكل طاعة مازجتها معصية فهي كلها معصية ، لأنه لم يأت بالطاعة كما أمر ، قال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } . فإن نذر أن يصوم سنة حاشا رمضان والأيام المنهي عن صيامها لزمه ذلك ، لأنه نذر طاعة ; وكذلك لو نذر صوم شوال ، أو صوم ذي الحجة ، أو صوم شعبان فلا يلزمه شيء لما ذكرنا إلا أن ينوي استثناء ما لا يجوز صومه من الأيام فيلزمه ذلك .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية