وأما استحبابنا منى فلما ذكرنا من فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحضرته ; واختار للمتمتع أن يهل بالحج يوم التروية في أخذه في النهوض إلى أن مالك مكة إذا أهل هلال ذي الحجة ، واحتجوا برواية عن يهل المتمتع ، وأهل أنه قال : يا أهل عمر مكة يقدم الناس شعثا وأنتم مدهنون فإذا رأيتم الهلال فأهلوا ; فإن هذه رواية لا نعلمها تتصل إلى ; إنما نذكرها من طريق عمر القاسم بن محمد وإبراهيم النخعي عن ; وكلاهما لم يولد إلا بعد موت عمر بأعوام ; ثم لو صح عنه لكان الثابت المتصل من فعل الصحابة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أولى من رأي رآه عمر ؟ وقد روينا عن عمر نا سعيد بن منصور نا هشيم عن ابن أبي ليلى قال : رأيت عطاء بن أبي رباح في ابن عمر المسجد الحرام وقد أهل بالحج إذ رأى هلال ذي الحجة عاما ثم عاما آخر ; فلما كان في العام الثالث قيل له : قد رئي هلال ذي الحجة ؟ فقال : ما أنا إلا كرجل من أصحابي ، وما أراني أفعل إلا كما فعلوا ، فأمسك إلى يوم التروية ، ثم أحرم من البطحاء حين استوت به راحلته بالحج .
ومن طريق عن سعيد بن منصور عتاب بن أبي بشر عن خصيف عن عن مجاهد : أنه أحرم عاما من المسجد حين أهل هلال ذي الحجة ثم عاما آخر كذلك ، فلما كان العام الثالث لم يحرم حتى كان يوم التروية قال ابن عمر : فسألته عن ذلك ؟ فقال : إني كنت امرأ من أهل مجاهد المدينة فأحببت أن أهل بإهلالهم ثم ذهبت أنظر فإذا أنا أدخل على أهلي وأنا محرم وأخرج وأنا محرم ، فإذا ذلك لا يصلح ; لأن المحرم إذا أحرم خرج لوجهه . قال : فقلت مجاهد : فأي ذلك ترى ؟ قال : يوم التروية . لابن عمر
فهذا قد أخبر أن فعل الصحابة أن يهل المتمتع وأهل ابن عمر مكة يوم التروية ، ورغب عن رأي أبيه لو ثبت أيضا عنه . [ ص: 120 ] فإن قالوا : إنما اخترنا له ذلك ليكون أشعث ؟ قلنا : ما علمنا الله - تعالى - ولا رسوله صلى الله عليه وسلم اختيار الشعث للمحرم ؟ فإن اخترتموه فأمروهم بالإهلال من أول شوال فهو أتم للشعث ؟