الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإن ترك السعي فيما بين الصفا ، والمروة رأسا في حج أو عمرة فعليه دم عندنا ، وهذا لأن السعي واجب ، وليس بركن عندنا ، الحج والعمرة في ذلك سواء ، وترك الواجب يوجب الدم ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى السعي ركن لا يتم لأحد حج ولا عمرة إلا به ، واحتج في ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه سعى بين الصفا والمروة ، وقال لأصحابه رضي الله عنهم إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا ، والمكتوب ركن } ، وقال صلى الله عليه وسلم { ما أتم الله تعالى لامرئ حجة ولا عمرة لا يطوف لها بين الصفا ، والمروة } ، وجحتنا في ذلك قوله تعالى { فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } ، ومثل هذا اللفظ للإباحة لا للإيجاب فيقتضي ظاهر الآية أن لا يكون واجبا ، ولكنا تركنا هذا الظاهر في حكم الإيجاب بدليل الإجماع فبقي ما وراءه على ظاهره ، وإنما ذكر هذا اللفظ ، والله أعلم ، لأصحابه ; لأنهم كانوا يتحرزون عن الطواف بهما لمكان الصنمين عليهما في الجاهلية إساف ، ونائلة فأنزل الله تعالى هذه الآية ثم بين في الآية أن المقصود حج البيت بقوله تعالى { فمن حج البيت أو اعتمر فلا [ ص: 51 ] جناح عليه } فكان ذلك دليلا على أن ما لا يتصل بالبيت من الطواف يكون تبعا لما هو متصل بالبيت ، ولا تبلغ درجة التبع درجة الأصل فتثبت فيه صفة الوجوب لا الركنية فكان السعي مع الطواف بالبيت نظير الوقوف بالمشعر الحرام مع الوقوف بعرفة ، وذلك واجب لا ركن فهذا مثله ، وهو نظير رمي الجمار من حيث إنه مقدر بعدد السبع غير مختص بالبيت ، ولا يصح استدلاله بظاهر الحديث الذي رواه ; لأن في ظاهره ما يدل على أن السعي مكتوب ، وبالاتفاق عين السعي غير مكتوب فإنه لو مشى في طوافه بينهما أجزأه ، وفي الحديث الآخر ما يدل على الوجوب دون الركينة ; لأنه علق التمام بالسعي ، وأداء أصل العبادة يكون بأركانها فصفة التمام بالواجب فيها ، وكذلك لو ترك منه أربعة أشواط فهو كترك الكل في أنه يجب عليه الدم به ; لأن الأكثر يقوم مقام الكمال ، وإن ترك ثلاثة أشواط أطعم لكل شوط مسكينا إلا أن يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص منه ما شاء ، وهو نظير طواف الصدر في ذلك ، وكذلك إن فعله راكبا فإن كان لعذر فلا شيء عليه ، وإن كان لغير عذر فعليه الدم في الأكثر ، والصدقة في الأقل لما بينا

التالي السابق


الخدمات العلمية