الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإذا رمى طائرا على غصن شجرة أصلها في الحرم أو في الحل لم ينظر إلى أصلها ، ولكن ينظر إلى موضع الطائر فإن كان ذلك الغصن في الحل فلا جزاء عليه ، وإن كان في الحرم فعليه فيه الجزاء لأن قوام الصيد ليس بالغصن قال الله تعالى { ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله } فكان المعتبر فيه موضع الصيد فإن كان ذلك الموضع من هواء الحرم فالصيد صيد الحرم ، وإن كان من هواء الحل فالصيد صيد الحل فأما في قطع الغصن فينظر إلى أصل الشجرة فإن كان في الحل فله أن يقطعه ، وإن كان في الحرم فليس له أن يقطعه لأن قوام الأغصان بالشجرة فينظر إلى أصل الشجرة فيجعل حكم الأغصان حكم أصلها ، وإن كان بعض الأصل في الحرم ، وبعضه في الحل فهو من شجر الحرم أيضا لأنه اجتمع فيه المعنى الموجب للحظر والموجب للحل فهو بمنزلة صيد قائم بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم يكون من صيد الحرم بخلاف ما إذا كانت قوائم الصيد في الحل ورأسه في الحرم فإن قوامه بقوائمه دون رأسه إلا أن يكون نائما ورأسه في الحرم فحينئذ قوامه بجميع بدنه فإذا كان جزء منه في الحرم فهو بمنزلة صيد الحرم ثم الأصل في حرمة أشجار الحرم قوله صلى الله عليه وسلم { لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شوكها } قال هشام سألت محمدا رحمه الله تعالى عن معنى هذا اللفظ فقال كل ما لا يقوم على ساق . وروي أن عمر رضي الله تعالى عنه قطع دوحة كانت في موضع الطواف تؤذي الطائفين فتصدق بقيمتها ، وحرمة أشجار الحرم كحرمة صيد الحرم فإن صيد الحرم يأوي إلى أشجار الحرم ، ويستظل بظلها ، ويتخذ الأوكار على أغصانها فكما تجب القيمة في صيد الحرم على من أتلفه فكذلك تجب القيمة على من قطعه ، وشجر الحرم ما ينبت بنفسه لا ما ينبته الناس فأما ما ينبته الناس عادة ليس له حرمة الحرم سواء أنبته إنسان أو نبت بنفسه لأن الناس يزرعون ويحصدون في الحرم من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ، ولا زجر زاجر فأما ما لا ينبته الناس عادة إذا أنبته إنسان فلا شيء عليه في قطعه أيضا لأنه ملكه ، والتحق فعله بما ينبته الناس عادة فأما إذا نبت بنفسه فله حرمة الحرم ، وإن كان مملوكا لإنسان بأن نبت في ملكه حتى قالوا لو نبت في ملك رجل أم غيلان فقطعه إنسان فعليه قيمته لمالكه ، وعليه قيمته لحق الشرع [ ص: 104 ] بمنزلة ما لو قتل صيدا مملوكا في الحرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية