( قال ) ولو فهي طالق إذا قالت ذلك في مجلسها في قول قال أنت طالق إن كنت تحبين كذا لشيء يعلم أنها تحبه أو لا تحبه مثل الموت والعذاب فقالت أنا أحب ذلك أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وقال وأبي يوسف رحمه الله تعالى فيما يعلم أنها لا تحبه لا يقبل قولها ولا تطلق ; لأنا نتيقن بكذبها فإن أحدا لا يحب العذاب في النار ولا الموت في الدنيا والمخبر عن الشيء إذا كان متهما بالكذب لا يقبل خبره فعند التيقن بالكذب أولى محمد وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى قالا محبتها تكون بقلبها وذلك مما لا يوقف عليه فيقام خبرها بذلك مقام حقيقته تيسيرا وصار كأنه قال لها إن أخبرتني أنك تحبين الموت والعذاب وقد أخبرت بذلك مع أن في خبرها احتمال الصدق وقد يبلغ ضيق الصدر بالمرء وسوء الحال درجة يحب فيها الموت وقد تحملها شدة بغضها للزوج على أن تؤثر العذاب والموت على صحبته وذلك محسوس وقد تحملها شدة البغض أو [ ص: 209 ] الغيرة على أن تقتل نفسها وهل في ذلك إلا إيثار العذاب والموت على صحبته . وأبو يوسف
وكذلك لو فهو كالأول على ما بينا وإن قال لها إن كنت تبغضين كذا لشيء يعلم أنها تحبه مثل الجنة والغنى فقالت أنا أبغضه لم يقع الطلاق عليها ; لأن السبب الظاهر وهو الإخبار قام مقام المعنى الخفي فيدور الحكم مع السبب الظاهر وجودا وعدما ويسقط اعتبار المعنى الخفي وكذلك إن قال أنت طالق إن كنت تحبين كذا فقالت لست أحبه وهي كاذبة فهي امرأته ويسعه أن يطأها فيما بينه وبين الله تعالى ويسعها المقام معه وهذا مشكل ; لأنه إن كان لا يعرف ما في قلبها حقيقة يعرف ما في قلبه ولكن الطريق ما قلنا أن ما في قلبه وما في قلبها لا يمكن الوقوف على حقيقته فإنما يتعلق بالسبب وهو الإخبار فإذا أخبر بخلاف ما جعله شرطا لم يقع عليها شيء المحبة والبغض في ذلك سواء وإن قال أنت طالق ثلاثا إن كنت أنا أحب ذلك ثم قال لست أحب ذلك وهو كاذب فهي امرأته ; لأن شرط وقوع طلاقها إخباره بمحبة طلاقها فإذا لم يقل شيئا لم يوجد الشرط وإن قال لست أحبه فقد أخبر بضد ما جعله شرطا فلا يقع الطلاق وإن كان يحب ذلك حقيقة وكذلك لو قال لها إن كنت أحب طلاقك فأنت طالق ثم قال لست أحب ذلك أو لم يقل شيئا فشرط الوقوع إخبارها بمحبة الطلاق ما دامت في المجلس حتى إذا قامت قبل أن تقول شيئا لم تطلق وإن كانت تحب ذلك بقلبها لانعدام الشرط وهو الخبر وكذلك إن قالت لا أحبه وهي كاذبة لم تطلق ; لأنها أخبرت بضد ما هو شرط الطلاق . قال لها إن كنت تحبين طلاقك فأنت طالق ثلاثا
وكذلك لو فقالت لا أشاء ولا أحب ولا أهوى ولا أريد ولا أشتهي فهي امرأته ; لأنها أخبرت بضد ما هو شرط الطلاق ولا تصدق بعد ذلك على خلاف هذا القول إما للتناقض أو ; لأن بالخبر الأول قد تم شرط بره وبعد تمام شرط البر في اليمين لا يتصور الحنث وإن سكتت ولم تقل شيئا حتى قامت فهي امرأته ; لأن الشرط لم يوجد وهو إخبارها في المجلس وإن كان في قلبها خلاف ما أخبرت به فإنه يسعها أن تقيم معه فيما بينها وبين الله تعالى في قول قال إن كنت تحبين الطلاق بقلبك أو تهوينه أو تريدينه أو تشتهينه بقلبك دون لسانك فأنت طالق ثلاثا أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ولا يسعها ذلك في قول وأبي يوسف رحمه الله تعالى ; لأنه جعل الشرط محبتها بقلبها حين صرح به فلا معتبر بخبرها بخلافه ولكنا نقول إنما يعتبر من كلامه ما يمكن الوقوف على معرفته فأما أن يقوم [ ص: 210 ] خبرها مقام حقيقة ما في قلبها ; لأنه إنما يعبر عما في قلبها لسانها أو لما جعل الشرط ما لا طريق لنا إلى معرفته حقيقة كان ذلك تحقيقا للنفي كما بينا من نظائره فيما سبق . محمد