باب الخيار
( قال ) وإذا في القياس لا يقع عليها شيء وإن نوى الطلاق ; لأن التفويض إليها إنما يصح فيما يملك الزوج مباشرته بنفسه وهو لا يملك إيقاع الطلاق عليها بهذا اللفظ حتى لو قال اخترتك من نفسي أو اخترت نفسي منك قال لامرأته اختاري فاختارت نفسها
[ ص: 211 ] لا يقع شيء فلا يملك التفويض إليها بهذا اللفظ أيضا ولكنا تركنا القياس لآثار الصحابة روي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وجابر وزيد وعائشة قالوا في الرجل يخبر امرأته أن لها الخيار ما دامت في مجلسها ذلك فإن قامت من مجلسها فلا خيار لها ولأن الزوج مخير بين أن يستديم نكاحهم أو يفارقها فيملك أن يسويها بنفسه في حقه بأن يخيرها { فتعالين أمتعكن وأسرحكن } } ثم كان القياس أن لا يبطل خيارها بالقيام عن المجلس ; لأن التخيير من الزوج مطلق والمطلق فيما يحتمل التأبيد متأبد ولكنا تركنا هذا القياس لآثار الصحابة رضي الله عنهم ولأن الخيار الطارئ لها على النكاح من جهة الزوج معتبر بالخيار الطارئ شرعا وهو خيار المعتقة وذلك يتوقت بالمجلس فكذلك هذا لها الخيار ما بقيت في المجلس وإن تطاول يوما أو أكثر ; لأن المجلس قد يطول وقد يقصر . وقد خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه حين نزل قوله تعالى {
ألا ترى أن حكم قبض بدل الصرف ورأس مال السلم لما توقت بالمجلس لم يفترق الحال بين أن يطول أو يقصر فإذا قامت أو أخذت في عمل يعرف أنه قطع لما كانت فيه من ذلك بطل خيارها ; لأن اشتغالها بعمل آخر يقطع المجلس ألا ترى أن المجلس يكون مجلس مناظرة ثم ينقلب مجلس أكل إذا اشتغلوا به ثم مجلس القتال إذا اقتتلوا ولأن الذهاب عن المجلس إنما كان مبطلا لخيارها لوجود دليل الإعراض عما فوض إليها وذلك يحصل باشتغالها بعمل آخر وكذلك بقيامها وإن لم تذهب ; لأن القيام يفرق الرأي وبه فارق الصرف والسلم فإن بمجرد القيام قبل الذهاب هناك لا يبطل العقد ; لأنه لا معتبر بدليل الإعراض ثم وإنما المعتبر الافتراق قبل القبض وإن كانت قاعدة حين خيرها فاضطجعت بطل خيارها في قول رحمه الله تعالى وهو رواية زفر الحسن بن أبي مالك عن رحمه الله تعالى ; لأن الاضطجاع دليل الإعراض والتهاون بما خيرها وروى أبي يوسف عن الحسن بن زياد رحمه الله أنه لا يبطل خيارها ; لأن الإنسان قد يضطجع إذا أراد أن يروي النظر في أمر ولو كانت متكئة حين خيرها فاستوت قاعدة لا يبطل خيارها ; لأنه دليل الإقبال على ما حزبها من الأمر . أبي يوسف
وإن كانت قاعدة فاتكأت ففي إحدى الروايتين لا يبطل خيارها ; لأن الاتكاء نوع جلسة فكأنها كانت متربعة فاحتبت وفي الرواية الأخرى يبطل خيارها ; لأن الاتكاء بمنزلة الاضطجاع ; لأنه إظهار للتهاون بما خيرها وإذا [ ص: 212 ] فالقول قوله مع يمينه ; لأن قوله اختاري كلام محتمل يجوز أن يكون مراده اختاري نفقة أو كسوة أو دارا للسكنى وفي الكلام المحتمل القول قول الزوج أنه لم يرد الطلاق مع يمينه لكونه متهما في ذلك وإن نوى الطلاق فإن كان خيرها وقال لم أرد به الطلاق لا يقع شيء أيضا ; لأنه ليس في كلامه ولا في كلامها ما يوجب التخصيص وإزالة الإبهام والطلاق لا يقع بمجرد القصد من غير لفظ يدل عليه بخلاف ما إذا قال لها اختاري فقالت اخترت ; لأن هناك في كلام أحدهما تنصيص على التخصيص فيقع به الطلاق عند النية ثم المخيرة إذا اختارت زوجها لم يقع عليها شيء إلا على قول قال لها اختاري نفسك فقالت اخترت أو قال اختاري فقالت اخترت نفسي رضي الله عنه فإنه يقول يقع تطليقة رجعية إذا اختارت زوجها فكأنه جعل عين هذا اللفظ طلاقا فقال إذا اختارت زوجها فالواقع به طلاق لا يرفع الزوجية ولسنا نأخذ بهذا بل نأخذ بقول علي عمر رضي الله عنهما أنها إذا اختارت زوجها فلا شيء وهذا لحديث { وعبد الله بن مسعود رضي الله عنها قالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ولم يكن ذلك طلاقا عائشة } وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة عندنا وهو قول رضي الله عنه وعلى قول علي عمر رضي الله عنهما واحدة رجعية وعلى قول وابن مسعود رضي الله عنه إذا اختارت نفسها فثلاث وكأنه حمل هذا اللفظ على أتم ما يكون من الاختيار زيد وعمر رضي الله عنهما حملا على أدنى ما يكون منه وهو التطليقة الرجعية ولكنا نأخذ في هذا بقول وابن مسعود رضي الله عنه ; لأن اختيارها نفسها إنما يتحقق إذا زال ملك الزوج عنها وصارت مالكة أمر نفسها وذلك بالواحدة البائنة وليس في هذا اللفظ ما يدل على الثلاث ; لأن حكم مالكيتها أمر نفسها لا يختلف بالثلاث والواحدة البائنة ولهذا قلنا وإن نوى الثلاث بهذا اللفظ لا تقع إلا واحدة بائنة ; لأن هذا مجرد نية العدد منه وقوله اختاري أمر بالفعل فلا يحتمل معنى العدد بخلاف قوله أنت بائن فنية الثلاث إنما تصح هناك باعتبار أنه نوى به نوعا من البينونة وهنا الاختيار لا يتنوع فبقي هذا مجرد نية العدد . علي