( قال ) ولو لم يصدق في القضاء وبانت بثلاث ; لأن الكلام الثاني والثالث إيجاب صحيح من حيث الظاهر والقاضي مأمور باتباع الظاهر ولكنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لأن الكلام الواحد قد يكرر للتأكد وتفهيم المخاطب ولو قال لها اختاري اختاري اختاري فاختارت نفسها فقال الزوج نويت بالأولى الطلاق وبالأخريين أن أفهمها لم تصدق في ذلك ; لأن الأمر خرج من يدها بالقيام عن المجلس فإنما أخبرت بما لا تملك إنشاءه وهذا يدل على أنها لو قالت قبل أن تقوم أردت نفسي أن ذلك يصح منها لبقائها في المجلس كما لو سكتت حتى الآن ثم قالت اخترت نفسي ولكنه قال في التعليل قد خرج الأمر من يدها حين تكلمت بذلك فهذا إشارة إلى أنها وإن قالت في المجلس أردت [ ص: 215 ] نفسي لا يقبل قولها وهذا هو الصحيح ; لأن اشتغالها بكلام مبهم دليل الإعراض والتهاون وإن قال لها اختاري فقالت قد اخترت فلما قامت عن المجلس قالت عنيت نفسي فهذا جواب وهي طالق ; لأن جوابها بناء على خطاب الزوج فما تقدم في الخطاب يصير كالمعاد في الجواب فكأنها قالت اخترت نفسي وإذا قال لها اختاري نفسك فقالت قد اخترت لم يصدق في القضاء وكذلك إن قال هذا في غضب وقد بينا هذا في فصول الكنايات وكما لا يصدقه القاضي فكذلك لا يسع المرأة أن تقيم معه إلا بنكاح مستقبل . خيرها بعد ذكر الطلاق فاختارت نفسها ثم قال لم أنو به الطلاق
وإذا بطل الخيار ; لأنها صارت مالكة أمر نفسها بما أوقع عليها وإنما كانت تختار أمر نفسها لهذا المقصود فلا يتحقق ذلك بعد ما ملكت أمر نفسها وكذلك لو قال لها اختاري ثم طلقها واحدة بائنة سقط الخيار ; لأنها ملكت أمر نفسها ولو كان الطلاق رجعيا كان الخيار على حاله ; لأنها بهذا الطلاق لا تصير مالكة أمر نفسها وكذلك هذا في الأمر باليد وذكر في الأمالي أنه إذا قال أنت طالق واحدة بائنة إن شئت فقالت قد شئت أنها لا تطلق في قول قال لها اختاري إذا شئت أو أمرك بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها فاختارت نفسها رحمه الله ; لأن الزوج أوقع بنفسه ما فوض إليها فيكون ذلك إخراجا للأمر من يدها وفي قول أبي يوسف رحمه الله تطلق تطليقة بائنة ; لأن التفويض قد صح فلا يبطل بزوال الملك إلا أنها بعد زوال الملك كانت لا تتمكن من الاختيار لكونها مالكة أمر نفسها فإذا زال ذلك بالعقد فهي على خيارها وما قاله أبي حنيفة رحمه الله ضعيف ; لأن الطلاق متعدد فلا يتعين ما أوقعه الزوج لما فوضه إليها كما لو قال لغيره بع قفيزا من هذه الصبرة ثم باع بنفسه قفيزا لا ينعزل الوكيل . أبو يوسف