ص ( فصل يتيمم )
ش : لما ذكر الطهارة المائية بقسميها وما ينوب في غسل بعض الأعضاء ذكر ما ينوب عن غسل جميع الأعضاء في الوضوء والغسل وهو ، وهذا هو المعروف أعني كونه نائبا عنهما وقال التيمم ابن ناجي في شرح المدونة وفي كونه أصلا ، أو نائبا عن الوضوء والغسل خلاف ، وهو لغة القصد قال الله تعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } أي : تقصدونه وشرعا قال في التوضيح : طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين . وقال ابن ناجي : طهارة تستعمل عند عدم الماء ، أو عدم القدرة على استعماله وزاد المناوي بعد قولنا : طهارة ترابية " ضرورية " ، وتبعه شيخنا الشبيبي ، ولا حاجة لقولهما : ترابية ; لأن المشهور أنه يتيمم على الجير وغيره مع وجود التراب ، وكذلك لا يحتاج لقولهما كابن بشير وابن محرز " ضرورية " ; لأن ما بعده يغني عنه ، انتهى .
وقوله على الجير يريد قبل طبخه كما سيأتي ، ولا اعتراض عليهما وقولهما ترابية ; لأن المراد التراب وما هو من جنسه وقال ابن رشد : طهارة ترابه تفعل مع الاضطرار دون الاختيار .
والأصل في مشروعيته قوله تعالى : { وإن كنتم مرضى ، أو على سفر } . الآية وأحاديث يأتي بعضها ، ومنها حديث : { مسلم } وحديث الصحيحين { جعلت لنا الأرض مسجدا وتربتها طهورا . } . وانعقد الإجماع على مشروعيته وعلى أنه من خصائص هذه الأمة لطفا من الله بها وإحسانا وليجمع لها بين التراب الذي هو مبدأ إيجادها والماء الذي هو سبب استمرار حياتها إشعارا بأن هذه العبادة سبب الحياة الأبدية والسعادة السرمدية جعلنا الله من أهلها ، وقيل في حكمة مشروعيته : إن الله - سبحانه - لما علم من النفس الكسل والميل إلى ترك الطاعة شرع لها التيمم عند عدم الماء لئلا تعتاد بترك العبادة فيصعب عليها معاودتها عند وجوده ، وقيل : يستشعر بعدم الماء موته وبالتراب إقباره فيزول عنه الكسل ذكر هذه الأقوال : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا التادلي قال ابن ناجي ولا أعرفها لغيره ، وليس المراد أنها أقوال متباينة بل كل عبر بما ظهر له والمراد الجميع ، أو غير ذلك مما يظهر لنا ، والله تعالى أعلم .
وقال ابن ناجي في شرح الرسالة وحكمه الوجوب من حيث الجملة بإجماع وقال في شرح المدونة واختلف هل هو للمسافر عزيمة ؟ وهو ظاهر قول الرسالة : التيمم يجب لعدم الماء وفي مختصر ابن جماعة أنه رخصة قال التادلي والحق عندي أنه عزيمة في حق العادم للماء رخصة في حق الواجد العاجز عن استعماله . والقول بالوجوب مطلقا لا يستقيم في حق الواجد إذ قد يتكلف ويستعمله ومع جواز استعماله لا يكون التيمم واجبا . والقول بالرخصة لا يستقيم في حق العادم فإن الرخصة تقتضي إمكان الفعل المرخص فيه وتركه كالفطر في السفر ، والعادم للماء لا سبيل له إلى ترك التيمم ، وقول من قال إن الرخصة قد تنتهي إلى الوجوب غير مسلم فإنها إذا انتهت إليه صارت عزيمة وزال عنها اسم الرخصة [ ص: 326 ] انتهى .
وفيما قاله التادلي نظر فإن العاجز عن استعمال الماء لخوف ضرر أو زيادة مرض لا يقال بجواز استعماله للماء غاية ما فيه أنه لو تكلف وارتكب الخطر صح مع إثمه في إقدامه على الخطر ، وإنكاره كون الرخصة تنتهي للوجوب مخالف لما عليه المحققون وغيره من المتأخرين من تقسيمهم إياها للواجب والمندوب والمباح ، زاد بعضهم : وخلاف الأولى ، والحق أنه رخصة تنتهي في بعض الصور للوجوب كمن لم يجد الماء ، أو خاف الهلاك باستعماله ، أو شديد الأذى ، وبنى بعضهم على الخلاف في كونه رخصة ، أو عزيمة كابن الحاجب فعلى أنه عزيمة يتيمم وعلى أنه رخصة لا يتيمم وفيه نظر لجواز أن يكون عزيمة ويتوقف على توبته من عصيانه كما أن فروع الشريعة يخاطب بها الكافر ويتوقف الإتيان بها على الإسلام والله تعالى أعلم تيمم العاصي بسفره