الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وراكد يغتسل فيه )

                                                                                                                            ش : يحتمل معنيين : أحدهما وهو الظاهر من لفظ المصنف أنه يكره استعمال الماء الراكد الذي يغتسل فيه وينبغي أن يفسر قوله يغتسل فيه بأن مراده أنه يتكرر الاغتسال فيه كما قد يفهم ذلك من قوله يغتسل كأنه يعني أنه معد للغسل .

                                                                                                                            وظاهره سواء كان الماء قليلا أو كثيرا كان من يغتسل فيه نجس الأعضاء أو طاهرها ، واعلم أنه إن تغير أحد أوصاف الماء فلا شك في عدم طهوريته ثم إن علم المغير هل هو نجس أو طاهر عمل عليه وإلا عمل على ظاهر أمره كما تقدم وإن لم يتغير الماء فلا يخلو إما أن يكون مستبحرا أو كالقصرية ونحوها أو بين ذلك كالحوض ونحوه فأما المستبحر والماء المعين كالغدير الكبير والبركة الكبيرة والبئر المعينة فلا يكره استعماله كما صرح به غير واحد وإن كان كالقصرية وهي المركن فلا إشكال في كراهيته إن كان الذي اغتسل فيه نجس الأعضاء أو عليه جنابة لأنه ماء يسير حلته نجاسة أو ماء مستعمل في حدث وإن كان الذي اغتسل فيه طاهر الأعضاء وهو غير جنب فلا بأس بالوضوء به قال سند : قوله لا خير فيه على أي وجه قدر لأنه إن اغتسل بنجاسة فقد أفسدها على [ ص: 75 ] ما عرف وإن لم تكن عليه نجاسة كان مستعملا في حدث وقد عظم الاختلاف فيه وأما غير الجنب فلا بأس به عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وقال أصبغ : لا يجوز الوضوء بذلك وكذلك ما يغسل فيه الثوب الطاهر وشبهه من الطهارات ومذهبه خارج عن الجماعة من حيث السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قيد ذلك بالجنابة ومن حيث النظر فإن أديم الجلد إذا كان طاهرا ولم يكن عليه ما يغير صفة من صفات الماء كان مرور الماء عليه كمروره على أديم القرب انتهى ، وذكر ابن ناجي نحوه وأما الحوض ونحوه فقال في المدونة ولا يغتسل الجنب في الماء الدائم فإن فعل أفسده إذا كان مثل حياض الدواب إلا أن يكون غسل موضع الأذى قبل دخولها فلا بأس به قال ابن ناجي أشار ابن الحاجب إلى أن قوله أفسدها يحتمل الكراهة والتنجيس والصواب حملها على التنجيس وعليه يقوم منه مثل ما نص عليه ابن رشد أن آنية الغسل لا تنجسها القطرة ونحوها من النجاسة بل ماله بال كالذي على جسد الجنب انتهى .

                                                                                                                            وهذا الذي اختاره ابن ناجي إنما يأتي على مقابل المشهور أن اليسير إذا حلته نجاسة أفسدته وإن لم تغيره وهو قول ابن القاسم ورواية المصريين عن مالك وعلي أن نحو الجرة والزير والحوض يسير وأما على القول المشهور الذي مشى عليه المصنف فهو طاهر مطهر قال في الجلاب : ويكره للجنب أن يغتسل في ماء واقف إذا كان يسيرا ووجد منه بدلا فإن لم يجد غيره جاز أن يغتسل به ويصير مستعملا ويكره لغيره أن يغتسل به وهو مع ذلك طاهر مطهر وكذلك يكره له أن يغتسل في بئر قليلة الماء فإن كانت كثيرة فلا بأس انتهى ، بل لا كراهة فيه إذا لم يجعل الجرة والزير والحوض من الكثير كما مشى عليه المصنف وفي العمدة لابن عسكر نحو ما في الجلاب ونصه في المكروهات وانغمس فيه جنب انتهى .

                                                                                                                            ( فإن قلت ) : هذا الذي ذكرته مخالف لإطلاق المصنف ( قلت ) : أما المستبحر الكبير فلا إشكال في خروجه من كلامه وأما ما عداه فيدخل في إطلاق كلامه ولا منافاة بينه وبين ما تقدم ; لأنا إن حملنا قول المصنف يغتسل فيه على أن مراده أنه يتكرر الاغتسال فيه وإذا كان كذلك فلا إشكال في الكراهة لأنه يسرع إليه التغير ولا يفطن به ولا يسلم غالبا من اغتسال جنب أو غسل نجاسة وقد ذكر في البيان أنه يكره الاغتسال من ماء الحمام لكونه يسخن بالأقذار والنجاسات ولاختلاف الأيدي فيه فربما يتناول أخذه بيده من لا يتحفظ لدينه فإذا كره ذلك لاختلاف الأيدي فما بالك بما يكثر فيه الاغتسال ولما يخشى من سرعة التغير ولو لم يظهر بل قال ابن القاسم في آخر سماع أبي زيد في حياض الريف التي يغتسل فيها النصارى والجنب : لا يتوضأ منها ولا يجيز لأحد الغسل فيها لأنها نجسة .

                                                                                                                            قال ابن رشد : هذا صحيح لما يغلب على الظن من حصول النجاسة الكثيرة فيه وإن لم يتبين تغير أحد أوصافه من ذلك انتهى . ومثل هذا في الواضحة ولمالك في رسم حلف لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم في بعض الروايات من هذا الكتاب وقال قبله في حوض الحمام وإنما حكم بنجاسة لكثرة المنغمسين فيه إذ يبعد أن تكون أجسامهم جميعها طاهرة ولم يذكر في ذلك خلافا ( قلت ) : وهذا على أصل ابن القاسم أن الماء اليسير ينجسه قليل النجاسة ولو لم يغيره وعلى قوله أيضا أن مثل الحوض يسير وقول ابن رشد هذا صحيح أي على مذهب ابن القاسم وأما على قول مالك فينظر إلى الماء فإن تغير أحد أوصافه فهو غير طهور وإن لم يتغير شيء من أوصافه فهو طهور لأنه يكره استعماله لكثرة المغتسلين فيه والغرض من ذكر كلام ابن رشد بيان أن كثرة المغتسلين في الماء توجب غلبة الظن بنجاسة وإن لم يتغير عند من يقول بالنجاسة . والظاهر

                                                                                                                            أن ذلك يقتضي كراهته على المشهور وعلى [ ص: 76 ] هذا المعنى حمل البساطي كلام المصنف إلا أنه لم يقيده بكونه يتكرر فيه الاغتسال واعترضه بأنه لم يره منصوصا فيقيد كلام المصنف بأن لا يكثر الاغتسال فيه جدا وبأن يكون من يغتسل فيه غير نجس الأعضاء وإلا أفسده والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية