ص ( والمار به إن لم يرد مكة أو كعبد فلا إحرام عليه ، ولا دم ، وإن أحرم )
ش يعني أن مكة بل كانت حاجته دون مكة أو في جهة أخرى ، فإنه لا إحرام عليه ، ولو المار بالميقات إذا لم يرد دخول مكة وأحرم بعد مجاوزته للميقات لا دم عليه ، وهذا لا خلاف فيه إلا أن يكون صرورة ففيه خلاف كما سيأتي ، وكذلك لا يجب بدا له بعد أن جاوز الميقات دخول كالعبد والصبي ، وإليه أشار بقوله : أو كعبد وشمل كلامه - رحمه الله - من لا يخاطب بفريضة الحج كالعبد والجارية والصبي والمجنون والمغمى عليه ومن لا يصح منه الإحرام به كالكافر ، وقال في المدونة : وللسيد أن يدخل عبده أو أمته الإحرام على من لا يخاطب بفريضة الحج مكة بغير إحرام ويخرجهما إلى منى وعرفات غير محرمين ، فإن أذن السيد لعبده بعد ذلك فأحرم من مكة فلا دم على العبد لترك الميقات ، وإذا مكة أو ، وهم بعرفات فأحرموا حينئذ فوقفوا [ ص: 41 ] أجزأتهم عن حجة الإسلام ، ولا دم عليهم لترك الميقات قال أسلم النصراني أو عتق عبد أو بلغ صبي أو حاضت الجارية بعد دخولهم ابن يونس : لأنهم جاوزوه قبل توجه حج الفرض عليهم ، وقال في بعرفة أجزأه حجه وأرجو أن لا يكون عليه دم لترك الميقات وانظر هل يدخل في كلام المغمى عليه : إذا أفاق وأحرم وأدرك الوقوف المصنف المرأة في التطوع والظاهر : أنه ينظر ، فإن كان الزوج محرما فيجب عليه الإحرام ; لأنه لا يجوز له أن يحللها إذا أحرم وكانت صحبته كما صرح به صاحب الطراز ، وأما إن كان ممن يجوز له الدخول بغير الإحرام فهاهنا ليس لها أن تحرم بالتطوع إلا بإذنه ، ومقتضى ذلك أنه يجوز له أن يدخلها بغير إحرام فتأمله ، والله أعلم .
ص ( إلا الصرورة المستطيع فتأويلان )
ش : ظاهر كلامه أن التأويلين إذا أرادهما بعد ذلك وأحرم وأن المعنى أن لمكة ثم أرادها بعد ذلك وأحرم فاختلف في لزوم الدم له ، والمسألة كذلك مفروضة في المدونة ، وفي شروحها ، ونقل الصرورة المستطيع إذا جاوز الميقات غير مريد ابن بشير الخلاف في الصرورة لا بقيد كونه أحرم بعد ذلك وتبعه على ذلك المصنف في مناسكه وتوضيحه ، وهو بعيد والتأويلان لابن شبلون على أن الصرورة يلزمه الدم سواء كان مريدا للحج حين جاوز الميقات أو غير مريد وتأولها الشيخ على أن الصرورة وغيره سواء وأنه لا يلزمه الدم إلا إذا جاوز الميقات ، وهو مريد للحج قال ابن أبي زيد ابن يونس وقول أبي محمد هو الصواب ، ولا بد من تقييد قول ابن شبلون بأن يكون ذلك في أشهر الحج .
ص ( ومريدها إن تردد أو عاد لها لأمر فكذلك )
ش : يعني أن من مكة ولكنه كان من المترددين إليها كالمتسببين في الفواكه والطعام وكالحطابين ونحوهم ، فإنهم لا يجب عليهم الإحرام ، وقاله في المدونة واستحب أراد دخول اللخمي لهم أن يحرموا أول مرة وقوله : أو عاد لها لأمر يشير به إلى ما ذكره في المدونة بعد أن ذكر المترددين بالفواكه والحطب وأنه لا إحرام عليهم قال أو مثل ما فعل حين خرج إلى ابن عمر فديد فبلغه خبر فتنة المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام واعلم أنه وقع في سماع سحنون من كتاب الحج أن من خرج لحاجة لمثل جدة والطائف وعسفان ونيته العود أنه لا يجوز له الدخول بغير إحرام قال : وإن لم تكن نيته العود فلما خرج بدا له فأراد العود فعليه الإحرام قال ابن رشد : إن مسألة العتبية ليست مخالفة لما في المدونة من قضية وحاصل ما قاله : أن من خرج من ابن عمر مكة إما أن يخرج بنية العود أو لا ، فإن خرج على أن لا يعود ثم رجع من قريب لأمر عاقه كما فعل فيدخل بغير إحرام بخلاف ما إذا بدا له عن سفره لأمر رآه على ما في هذه الرواية فليست بخلاف لقول ابن عمر في المدونة : وإن خرج بنية العود ، فإن كان الموضع الذي خرج إليه قريبا ، ولم يقم فيه كثيرا فله الرجوع بغير إحرام ، وإن كان الموضع بعيدا أو قريبا به فعليه أن يدخل محرما قال : وإن كان من أهل مالك مكة قال وحد القرب في ذلك ما إذا خرج على أن يعود لم يلزمه الوداع قال : وهو ما دون المواقيت انتهى .
مختصرا بالمعنى ، وظاهره : أن ما بعد المواقيت بعيد مطلقا وليس كذلك ، فإن الطائف وراء الميقات ، وقد جعلها في الرواية من القريب ، ولو حدد القريب بما كان على مسافة القصر فأقل لكان حسنا ; لأن المواضع المذكورة في الرواية جعلها في الموطإ حدا لمسافة القصر ، ولم يفصل في الرواية بين أن يقيم في الموضع الذي خرج إليه أو يرجع بسرعة وقيده مالك ابن رشد بأن لا يقيم كما تقدم وعبر عن ذلك ابن عرفة بطول الإقامة ، ولم يبينوا الطول ما هو وكأنهم أحالوا ذلك على العرف فقول المصنف أو عاد لها لأمر فكذلك يقيد بقيدين على ما قاله ابن رشد بأن يكون عاد من قريب وأن يكون عوده لأمر عاقه عن السفر ويلحق بهذا في [ ص: 42 ] من دخل لقتال بوجه جائز كما ذكره جواز الدخول بغير إحرام المصنف في مناسكه ، وذكره غيره ، ويلحق بهذا أيضا على ما قاله صاحب الطراز من كان خائفا من سلطانها ، ولا يمكنه أن يظهر أو كان خائفا من جور يلحقه بوجه قال : فهذا لا يكره له دخولها حلالا في ظاهر المدونة ; لأن ذلك يجوز مع عذر التكرار فكيف بعذر المخالفة ، وقاله وغيره انتهى . الشافعي
( قلت : ) ، ما قاله ظاهر ، والله أعلم .
( فرع ) : إذا أجزنا له الدخول بغير إحرام كما في الرواية ، فإن ذلك لم يرد الدخول بأحد النسكين ، أما إن أراد ذلك فيتعين عليه الإحرام من موضعه الذي خرج إليه إن كان دون الميقات كجدة وعسفان ، وإن جاوزه بغير إحرام مع إرادته لأحد النسكين ثم أحرم من دونه لزمه الدم ، وهو ظاهر كما صرحوا بأن من مكة ثم أراد بعد ذلك الدخول بأحد النسكين ، فإنه يلزمه الإحرام من موضعه ذلك وأنه متى جاوزه كان عليه دم كما صرح به في التلقين وغيره وبذلك شاهدت جاوز الميقات ، ولم يكن مريدا لدخول والدي يفتي غير مرة فيمن خرج لجدة بنية العود ثم إنه لما رجع أخر الإحرام إلى جدة ، ولم يحرم من جدة وحدة بالحاء المهملة قرية بين مكة وجدة وعرضته على جماعة من المشايخ فوافقوا عليه وخالف في ذلك بعض مشايخنا ، وليس بظاهر ، وكلمه الوالد في ذلك ، ما أدري هل رجع عن ذلك أم لا ، والله أعلم .
ص ( ، وإلا وجب الإحرام وأساء تاركه ، ولا دم إن لم يقصد نسكا )
ش : يعني أن مكة ، ولم يكن كعبد ، ولا من المترددين ، ولا ممن عاد لأمر ، فإنه يجب عليه الإحرام سواء أراد دخولها لأحد النسكين أو لغير ذلك ، فإن دخلها بغير إحرام فقد أساء أي : أثم إلا أنه لا دم عليه إن لم يقصد دخولها لأجل نسك ، وإنما دخلها لحاجة أخرى أو ; لأنها بلده أو لغير ذلك ، وظاهره : ولو أراد النسك بغير ذلك وأحرم من الطريق أو من المار بالميقات إذا كان مريدا لدخول مكة ، وهو كذلك على مذهب المدونة وسيأتي لفظه في المسألة التي بعد هذه وتقدم لفظ مختصر في شرح قوله : وحيث حاذى واحدا ، وهو : اختيار القاضي ابن أبي زيد عبد الوهاب ، وقال ابن القصار : عليه الدم ( فرع ) ، فإذا مكة بغير إحرام ثم أراد الإحرام منها فاستحب له أن يخرج إلى ميقاته إن كان عليه نفس قاله دخل اللخمي وسند ، وهو داخل في قول المصنف كخروج ذي النفس لميقاته ، فإن لم يقدر على ميقاته فيستحب له الخروج للحل قاله في الموازية ، والله أعلم .
ص ( وإلا رجع ، وإن شارفها )
ش : يعني أن من ، فإنه يجب عليه أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه ، وإن شارف جاوز الميقات بغير إحرام ، وهو مريد لأحد النسكين مكة وقرب منها ، وقد يتبادر إلى الذهن من كلام المصنف - رحمه الله تعالى - أنه لا يرجع إذا دخلها ; لأنه جعل المشارفة غاية في محل الرجوع ، وظاهر إطلاقاتهم : خلاف ذلك ، وأنه يرجع ما لم يحرم ، ولو دخلها قال في المدونة : ومن جاوز الميقات ممن يريد الإحرام جاهلا ، ولم يحرم منه فليرجع فيحرم إلا أن يخاف فوات الحج فليحرم من موضعه ويتمادى ، وعليه دم قال ابن يونس في اختصار المدونة قال : ومن جاوز الميقات ممن يريد الحج جاهلا ، ولم يحرم منه فليرجع ، ويحرم منه ، ولا دم عليه قال مالك ابن المواز : وقيل : يرجع ما لم يشارف مكة ، فإن شارفها أحرم ، وأهدى ابن يونس يريد ، ولو لم يحرم فرجع فأحرم من الميقات لم يكن عليه دم ، وقال الشيخ أبو محمد في مختصر المدونة : ومن ، فإن ذكر قبل أن يحرم رجع وأحرم من الميقات قال مر بميقات يريد حجا أو عمرة فجاوزه ، ولم يحرم منه جهلا أو نسيانا ابن المواز : وقيل : يرجع ما لم يشارف مكة ، فإن شارفها أحرم وأهدى ، وقال ابن القاسم يرجع إلا أن يكون مراهقا فليحرم ، وقال في الإكمال : ومن رجع ما لم يحرم عند جاوز الميقات ونيته النسك بحج أو عمرة ، ولا دم عليه ، وقيل : يرجع ما لم يشارف مالك مكة ، وقال التلمساني في شرح الجلاب اعلم أن من فليرجع إلى [ ص: 43 ] الميقات فيحرم منه إن لم يخف فوات أصحابه ، ولا دم عليه ; لأنه لم يحل بنسك من مناسك الحج ، ولا أدخل نقصانا على إحرامه ، وظاهر هذا أنه يرجع أينما كان متى لم يحرم قال جاوز الميقات ممن يريد الإحرام ، ولم يحرم منه ابن المواز : وقيل : يرجع ما لم يشارف مكة ، فإن شارفها أحرم وأهدى ، وهذا قول جمهور أهل العلم انتهى .
وقال بعد ذلك في شرح مسألة أخرى : من أراد دخولها بحج أو عمرة فلا يجوز له دخولها إلا حراما ، فإن دخلها بغير إحرام ثم رجع إلى بلده فقد عصى ، ولا قضاء عليه ; لأن الإحرام إنما شرع لتحية البقعة ، فإذا لم يأت به سقط فعله كما في تحية المسجد ، واختلف هل عليه دم أو لا ؟ فقال ابن القاسم : لا دم عليه ورواه عن ، وقال مالك في الموازية : عليه دم انتهى ما ذكره عن مالك ابن القاسم هو مذهب المدونة كما صرح به سند ، وظاهر هذه النقول كلها : أنه يرجع ما لم يحرم ، ولو دخل مكة وبذلك أفتى الشيخ العلامة مفتي الديار المصرية ناصر الدين أدام الله النفع به آمين ، وذكر في فتواه بعض كلام البراذعي وصاحب الإكمال وجعل اللخمي القول الذي ذكره محمد بن المواز تقييد للأول فقال ومن تعدى الميقات وهو يريد الإحرام رجع ما لم يحرم أو يخاف فوات أصحابه ولا يجد من يصحبه أو يشارف مكة فإنه يمضي ويهدي وكذا ذكره التادلي عن أبي إبراهيم في طرره على المدونة ، وقال ابن عرفة : وجعل اللخمي وابن بشير وابن شاس منقول محمد وفاقا بعيد انتهى .
ما قاله ابن عرفة ظاهر غير أني لم أقف في كلام ابن بشير وابن شاس على الكلام في هذه المسألة أعني مسألة الرجوع وعدمه مع المشارفة ، ولم أر لها ذكرا إلا في التنبيه ، ولا في الجواهر فتحصل من هذا أنه لا يؤمر بالرجوع إلى الميقات إلى الإحرام وجوبا ، ولو دخل مكة ، فإن رجع فلا دم عليه ، وإن لم يرجع وأحرم من مكة فعليه الدم قال البراذعي : ومن مكة بغير إحرام فأحرم منها بالحج فعليه دم لترك الميقات وحجه تام ، وإن جاوز الميقات غير مريد للحج فلا دم عليه ، وقد أساء فيما فعل حين دخل جاوز الميقات ، وهو يريد الحج فلم يحرم حتى دخل الحرم حلالا من أي أهل الآفاق كان ، ولا شيء عليه انتهى .
، وهذا بعد الوقوع أما ابتداء فمريد النسك يجب عليه الخروج إلى الميقات وغير مريد النسك يستحب له الخروج لميقاته ، فإن لم يقدر فإلى الحل كما تقدم ، والله أعلم .
ص ( ولا دم ، ولو علم )
ش : يعني أنه ، فإنه لا دم عليه ، ولو كان حين جاوزه عالما بأنه لا يجوز له مجاوزته ، وكلام إذا رجع إلى الميقات قبل أن يحرم فأحرم منه المصنف هنا أحسن من كلامه في مناسكه حيث قال ثم إن الدم إنما يسقطه بالرجوع إذا جاوزه جاهلا ، أما إن جاوزه عالما بقبح فعله فمفهوم المدونة وغيرها : أن عليه الدم ، ولا يسقط رجوعه وحمل بعضهم المدونة على سقوط الدم بالرجوع مطلقا انتهى .
( قلت : ) يشير إلى قوله في المدونة : ومن جاوز الميقات ممن يريد الإحرام جاهلا ، ولم يحرم فليرجع فيحرم منه ، ولا دم عليه إلا أن يخاف فوات الحج فليحرم من موضعه ، وعليه دم انتهى .
، ولم أر من حمل المدونة على المفهوم الذي ذكره إلا وأنكره إلا ابن الحاجب وأنكره عليه ابن الحاجب ابن عرفة فقال : وقول : إن كان جاهلا ، وإلا فدم لا أعرفه وقوله في المناسك : وحمل بعضهم يوهم أن الأكثر حملوها على الأول ، وليس كذلك إنما حملها عليه ابن الحاجب ومن تبعه ونحوه قول ابن الحاجب ابن شاس : إنه إن عاد بعد [ ص: 44 ] البعد لم يسقط ، فإنه خلاف المذهب ، وقد أنكره ابن عرفة ، والله أعلم .
ص ( ما لم يخف فوتا فالدم )
ش : ما هذه ظرفية متعلقة بقوله : وإلا رجع ، والمعنى : أن من جاوز الميقات غير محرم ، وهو مريد لأحد النسكين ، فإنه ، فإنه إن خاف ذلك أحرم من محله ، وعليه دم لمجاوزة الميقات . يؤمر بالرجوع للميقات ليحرم منه ما لم يخف فوت الرفقة أو فوت الحج
ص ( كراجع بعد إحرامه )
ش : يعني أن من ، فإن الدم لازم له ، ولا يسقط عنه برجوعه إلى الميقات بعد إحرامه ، وهذا هو : المشهور المعروف من المذهب ، وقيل : يسقط الدم برجوعه ، وله نظائر . جاوز الميقات بغير إحرام ، وهو مريد لأحد النسكين ثم أحرم بعد مجاوزته الميقات
ص ( ولو أفسد لا فات )
ش : يعني أن من ، فإنه لا يسقط عنه دم مجاوزة الميقات إلا بالإفساد أما لو جاوز الميقات ثم أحرم بالحج ثم أفسده ، فإنه يسقط عنه دم مجاوزة الميقات ، وهذا إذا تحلل من إحرامه بعمل عمرة ، أما لو بقي عليه إلى قابل لم يسقط عنه الدم ، والفرق بين الإفساد والفوات : أنه في الإفساد مستمر على إحرامه بخلاف الفوات ، فإن الحج الذي قصده لم يحصل ، والعمرة لم يقصدها ، فأشبه من جاوز الميقات غير مريد للنسكين ، وإتمامه لإحرامه بعمل عمرة كإنشائه العمرة حينئذ ، ولم يحصل فيها تعد يجب به الدم عن جاوز الميقات ثم أحرم بالحج ثم فاته الحج : أن الدم لا يسقط بالفوات ، وكلام أشهب المصنف قد يتبادر منه أن في مسألة الفساد قولا بسقوط الدم بالفساد ، ولا أعلم .
في لزوم الدم خلافا ، والخلاف إنما هو في سقوط الدم بالفوات فتأمله ، والله أعلم .