( تنبيه على وهم وغلط ، رأيت بخط ) بعض العلماء منقولا من كتاب الجوهر المكنون في القبائل والبطون للشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ما نصه : الحجبيون بطن من قريش منسوبون إلى حجبة الكعبة قدسها الله تعالى ، وهم ولد شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب ، قال الشيخ الشريف ابن أبي جعفر الحسني النسابة . وقالوا : ليس لبني عبد الدار بقية درج عقبهم زمان هشام بن عبد الملك ابن مروان فورثوا كلالة ، ورثهم تسع نفر بتقديم التاء بالقعد من قصي منهم علي وجعفر وعبيد الله بنو عبد الله بن عباس وجعفر وقثم بنو والعباس تمام بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ومحمد وعبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف وعمرو بن عبيد بن ثويب بن حبيب بن أسد بن عبد العزى بن قصي فعلى هذا القول كل من يدعى إلى هذا البطن فهو في ضح ، انتهى . قال الناقل : وللشريف المذكور في كتاب ذكر أوائل قبائل قريش واليمن نحو ذلك ، والضح بكسر الضاد المعجمة وتشديد الحاء ، قال في النهاية : ضوء الشمس فكأنه يعني في أمر بين بطلانه مثل ضوء الشمس .
( قلت ) وقوى بعض الناس ما ذكره الشريف النسابة بما ذكره أبو الوليد الأزرقي مؤرخ مكة قديما ونقله عنه مؤرخها قاضي القضاة تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المالكي في عدة من تواريخه من أن رضي الله عنه أجرى معاوية للكعبة الشريفة وظيفة الطيب لكل صلاة ، وكان يبعث بالمجمر والخلوق في الموسم وفي رجب ، وأخدمها عبيدا ، ثم اتبعت ذلك الولاة بعد ، انتهى .
( قلت ) وذلك كله وهم وغلط ، أما ما نقل عن الشريف النسابة فمردود بنصوص علماء مكة والمدينة الذين لا يخفى عليهم مثل ذلك لو وقع ، فمن ذلك ما نقله ابن القاسم صاحب رحمه الله في كتاب النذور من المدونة عن إمامنا إمام دار الهجرة مالك رضي الله عنه ، ونصه : وأعظم مالك أن يشرك مع الحجبة في الخزانة أحد ; لأنها ولاية من النبي صلى الله عليه وسلم إذ دفع المفتاح مالك ، انتهى . قال القاضي لعثمان بن طلحة عياض في التنبيهات : الخزانة بكسر الخاء أمانة البيت ، انتهى . فالشريف النسابة يقول : إنه درج عقبهم في زمان ، وقد مات هشام بن عبد الملك هشام في سنة خمس وعشرين ومائة ، وصريح كلام أنهم موجودون في زمنه ، وقد عاش مالك إلى سنة تسع وسبعين ومائة ، ولا شك أنه أدرك زمن مالك ، فإنه رضي الله عنه ولد بعد التسعين في المائة الأولى ، وخلافة هشام بن عبد الملك هشام نحو العشرين سنة ، فلو وقع ذلك في زمن هشام لما خفي على ; لأن مثل هذا الأمر مما تتوفر الدواعي على نقله ، فلا يخفى على العوام فضلا عن العلماء ، ولو وقع ذلك لتنازعت مالك قريش في ذلك وكانوا أحق به من غيرهم ، ولنقل ذلك المؤرخون في كتبهم ، ولم نقف عليه في كلام أحد منهم بل الموجود في كلامهم خلافه كما ستقف عليه ، وقد تلقى أصحاب جميعهم ما ذكرناه عنه بالقبول ونقلوه في متونهم وشروحهم ولم ينكره أحد منهم ، بل نقل عن مالك جماعة من العلماء من غير أهل مذهبه وتلقوه كلهم بالقبول ، ومن ذلك ما وقع في كلام مالك أبي الوليد الأزرقي وأبي عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي المكيين مؤرخي مكة في غير موضع من تاريخيهما ، فمن ذلك ما تقدم في كلامهما إن ولد عثمان كانوا بالمدينة دهرا ، ثم قدموا وحجبوا مع بني عمهم شيبة بن عثمان
وقد بين الفاكهي أن ذلك كان في ولاية ، وهو بعد أبي جعفر المنصور ; لأن هشام بن عبد الملك أبا جعفر [ ص: 330 ] من بني العباس وهشام من بني أمية ومن ذلك أيضا ما ذكره الأزرقي في كتاب العهد الذي كتب بين الأمين ابني والمأمون ، وفيه شهادة جماعة من الحجبة ، ولفظ هارون الرشيد الفاكهي كان الشهود الذين شهدوا في الشطرين من بني هاشم فلان وفلان وسماهم ، ثم قال ومن أهل مكة من قريش من بني عبد الدار بن قصي وسمى الجماعة الذين سماهم الأزرقي وتاريخ الكتاب المذكور في سنة ست وثمانين ومائة ومن ذلك ما ذكره الأزرقي في عمل في أبي جعفر المنصور المسجد الحرام ، فقال : وكان الذي ولي عمارة المسجد الحرام لأمير المؤمنين أبي جعفر زياد بن عبد الله الحارثي ، وهو أمير مكة وكان على شرطته عبد العزيز بن عبد الله بن مسافع الشيبي جد مسافع بن عبد الرحمن ومن ذلك أيضا ما ذكره الأزرقي لما تكلم على الذهب الذي في المقام ، فقال : حدثني جدي قال : سمعت عبد الله بن شعيب بن شيبة بن جبير بن شيبة يقول ذهبنا نرفع المقام في زمن المهدي فانثلم إلى آخر القصة ، فهذا صريح في وجودهم في خلافة المهدي وهو ولد أبي جعفر المنصور ومات في سنة تسع وستين ومائة ، ومن ذلك أن الأزرقي والفاكهي رحمهما الله لما ذكرا رباع مكة ذكرا جملة من رباع بني عبد الدار ولم يذكرا أنها انتقلت إلى غيرهم كما هي عادتهما ، وفي كلامهما مواضع كثيرة تدل على ذلك والأزرقي كان موجودا بعد الأربعين ومائتين والفاكهي كان موجودا بعد السبعين ومائتين وهما من أهل مكة ومن أسبق الناس بذلك ولهما المعرفة التامة بأخبارها ، ولم يذكرا ذلك بل كلامهما صريح في خلافه كما ذكرنا ، ولو وقع ذلك لما خفي عليهما ولكان ذلك من أعظم ما ينبهان عليه ، وقد نبها على ما هو أيسر من ذلك كما يظهر ذلك لمن طالع كلامهما
ومما يرد ما نقل عن الشريف النسابة ما ذكره قاضي الزبير بن بكار ومؤلف كتاب النسب لما ذكر حديث دفع المفتاح إلى مالك شيبة ، قال : فبنو أبي طلحة هم الذين يلون الكعبة دون سدانة بني عبد الدار عاش إلى سنة ست وخمسين ومائتين ، ومن ذلك أيضا ما ذكره الزبير بن بكار في كتاب جمهرة النسب لما ذكر الحديث المذكور قال : ابن حزم الظاهري فبنو أبي طلحة هم ولاة الكعبة إلى اليوم دون سائر بني عبد الدار وعاش إلى سنة ست وخمسين وأربعمائة ، ومن ذلك ما ذكره ابن حزم في كتاب الاستيعاب في ترجمة ابن عبد البر بعد أن ذكر عن شيبة بن عثمان ما نقلناه عنه ونصه : قال الزبير بن بكار أبو عمر شيبة : هذا جد بني شيبة حجبة الكعبة إلى اليوم ، انتهى . وعاش إلى سنة ثلاث وستين وأربعمائة ، ومن ذلك ما وقع في كلام غير واحد من العلماء من أهل ابن عبد البر مكة وممن قدم إليها ممن هو من أهل الخبرة بهذا الشأن الذين لو وقع هذا الأمر لما خفي عليهم كالمحب الطبري ، وقد تقدم كلامه في رحلته وابن جبير في كتاب الأنساب له وسيأتي كلامه والقاضي وابن الأثير تقي الدين الفاسي ، وأنه ترجم جماعة منهم في العقد الثمين وكرر ذكرهم في شفاء الغرام وغيره من تآليفه ولم يعرج على انقراضهم بوجه من الوجوه ، وكذلك العلامة أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي ، فإن كلامه في كتاب نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب يدل على بقائهم إلى زمنه ، وقد عاش إلى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ، ولو كان ما نقل عن الشريف النسابة حقيقة لما خفي على هؤلاء العلماء ، ومن ذلك أيضا ما تقدم عن المحب الطبري عن الواحدي أن جبريل عليه السلام قال ما دام هذا البيت ، فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان ، ويشهد لذلك اتصال نسب ذريته الموجودين في زماننا الآن
وقول الواحدي بعده ، وهو اليوم في أيديهم ، وعاش الواحدي إلى سنة ست وثمانين وأربعمائة ، وقال العلماء أيضا في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم : خالدة تالدة : أشار به إلى بقاء عقبهم ، وأما ما ذكره الأزرقي من إخدام سيدنا [ ص: 331 ] رضي الله عنه معاوية الكعبة عبيدا ، فلا دلالة فيه على انقراض الحجبة ; لأن خدام الكعبة غير ولاة فتحها كما هو معلوم مقرر إلى زماننا ، وكثيرا يقع في كلام الأزرقي والفاكهي ذكر الحجبة ، ثم ذكر خدمة الكعبة أو عبيدها مما يدل على التغاير بينهما ، وكيف يتوهم انقراضهم في زمان سيدنا رضي الله عنه ، والنصوص المتقدمة صريحة في بقائهم بعده بزمن طويل ، بل قد ذكر معاوية في كتاب الأنساب أن ابن الأثير عاش إلى أيام شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، وكلامه يدل على بقائهم إلى زمانه ، وقد عاش إلى سنة ثلاثين وستمائة ، ولو انقرضوا لنبه على ذلك ، وإنما نبهت على ذلك ، وإن كان والحمد لله كالمقطوع به خشية أن يقف من لا علم عنده على ما نقل يزيد بن معاوية الشريف النسابة خصوصا مع ما قوى به مما نسب لسيدنا فيتوهم خلاف ما ذكرناه أو يجوز ذلك ، والتحقيق ما أشار العلماء إلى استنباطه من الحديث الشريف من بقائهم والله الموفق . معاوية