ص ( ولم يحضر كبير ) ش : أطلق رحمه الله في الكبير فظاهره سواء كان الكبير ممن تجوز شهادته أو ممن لا تجوز شهادته فيفهم منه أن علة عدم قبول إنما هو لأجل خوف التخبيب وذلك أنه إذا حضر بينهم كبير تجوز شهادته فشهادتهم ساقطة على المشهور خلافا شهادة الصبيان مع حضور الكبير قال لسحنون : ولا تقبل شهادتهم مع حضور كبير رجل أو امرأة ، قال في التوضيح : لم يخالف في ذلك إلا ابن الحاجب في أحد قوليه انتهى . سحنون
واختلف في علة سقوط شهادتهم هل هو خوف التخبيب أو للاستغناء بشهادة الكبير ؟ ثم قال : فإن كان فاسقا أو عبدا أو كافرا فقولان ، قال في التوضيح : أي الكبير الحاضر إن كان ممن [ ص: 178 ] لا تجوز شهادته كالكافر والفاسق والعبد ، فقال ابن الحاجب مطرف وابن الماجشون وأصبغ : لا يضر حضورهم بشهادة الصبيان : ولا خلاف منصوص فيه عندنا ، وقاله المازري في كتاب ابنه ثم توقف ، فالقول بعدم الإجازة على هذا ليس بمنصوص إلا أنه لازم على التعليل بالتخبيب بل التخبيب في حق هؤلاء أشد والأول مبني على التعليل بارتفاع الضرورة بشهادة الكبير انتهى . وتبعه على هذا في الشامل فقال : ولا يضر رجوعهم بخلاف دخول كبير بينهم خلافا سحنون إلا إن كان كافرا أو عبدا أو فاسقا على المنصوص انتهى . فتبع صاحب الشامل لسحنون في أن القول بسقوط شهادتهم غير منصوص وجعل المازري الرجراجي القول الثاني منصوصا ، ونصه : إذا حضر كبير فإن كان شاهدا عدلا فلا خلاف أن شهادة الصبيان ساقطة لوجود الكبير العدل ، وإن كان ليس بعدل فالمذهب على قولين : أحدهما أن شهادتهم جائزة وهو قول ابن الماجشون وأصبغ وروى عن أبيه مثله ، والثاني أن شهادتهم لا تجوز لحضور الكبير وإن كان ليس بعدل وهو قول ابن سحنون في كتاب أبيه وإن كان مشهودا عليه فلا تجوز شهادتهم عليه باتفاق وكذا شهادتهم في الجراح أو في النفس إن كان عاش حتى يعرف ما هو فيه وإن مات من ساعته جازت شهادتهم له انتهى . وصرح ابن سحنون ابن يونس بالقول الثاني ونصه بعد أن حكى قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ ، وهذا خلاف ما في كتاب ابن المواز ; لأنه قال فيه : إنما يتقى من الكبير أن يعلمهم أو يخببهم فلا تراعى في ذلك الجرحة انتهى . ونقله أبو الحسن وزاد فقال : حاصله قولان فنظر ومن معه للضرورة ، وإذا كان الكبير غير عدل لم ترتفع الضرورة وانظر مطرف ابن المواز للتخبيب والتعليم وهو من غير العدل أكثر انتهى .
( تنبيه ) قال في المدونة : وتجوز ما لم يفترقوا أو يخببوا ، قال شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجرح الرجراجي : والتخبيب تعليم الخبث وهو أن يدخل بينهم كبير أو كبار على وجه يمكنهم أن يلقنوهم الكذب ويصدونهم عما يحصل عندهم من يقين أو يزينوا لهم الزيادة فيها والنقصان منها فإذا كان ذلك لم تقبل وبطلت انتهى .
وقال ابن عرفة : شرط في شهادتهم كونها قبل تفرقهم ابن الحاجب ابن عبد السلام : هذا مراد الفقهاء بقولهم ما لم يخببوا فإن افتراقهم مظنة مخالطتهم من يلقنهم ما يبطل شهادتهم قلت مقتضى قولها تجوز شهادة الصبيان ما لم يفترقوا أو يخببوا مع اختصارها ، كذلك أنهما غير مترادفين ، وكذا لفظ أبو سعيد اللخمي قبل تفرقهم وتخببهم ، ثم قال الباجي : التخبيب أن يدخل بينهم كبير على وجه يمكنه أن يلقنهم انتهى . وقال الجزولي في شرح قول الرسالة أو يدخل بينهم كبير قال : هذا تفسير لقول أبو عمران أو يخببوا ومنهم من قال قوله : أو يدخل بينهم كبير بعد المعركة وقبل الافتراق وكان يتلقى منهم الشهادة ، فقال : إنما هذا إذا دخل بينهم الكبير على وجه التخبيب وأما إذا كان على جهة سماع الشهادة فيجوز ويعرف ذلك بالقرائن مثل أن يكون هذا الداخل عدلا لا يتهم والفاسق يتهم انتهى . وقال مالك اللخمي : واختلف إذا خالطهم رجل هل تسقط الشهادة لإمكان أن يكون خببهم ، ووقف الشهادة أولى وإن كان عدلا ، وقال : لا أدري من رآه ثبتت شهادة الصبيان انتهى .
إذا علم ذلك فالفرع الذي أشار إليه المصنف بقوله ولم يحضر كبير وأشار إليه غير الذي أشار إليه صاحب الرسالة بقوله ولم يدخل بينهم كبير ; لأن ابن الحاجب المصنف أراد الحضور وقت الجراح أو القتل وكلام الشيخ فيما إذا حضر بعد ذلك والظاهر أنه حينئذ ينظر فإن كان يمكن منه التخبيب سقطت شهادتهم وإن كان عدلا لم تسقط كما يفهم ذلك من كلام ابن أبي زيد اللخمي أيضا والله أعلم .