الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ، وقال في نوازل ابن رشد في مسائل البيع : ( سئل ) عن أصحاب المواريث إذا باعوا شيئا على أنه لبيت المال فقام من أثبت عند القاضي أن هذا المبيع لقريب منه غائب وهو حي وحازه عند القاضي هل يفسخ القاضي البيع ويوقفه للغائب أو يبقى بيد المبتاع حتى يقدم الغائب فأجاب لا يمكن القاضي القريب من المخاصمة عن قريبه الغائب فيما باعه صاحب المواريث دون وكالة وإنما يمكنه من إثبات حقه في ذلك والتحصين له بالإشهاد عليه مخافة أن تغيب البينة أو تتغير ، وقال في رسم الأقضية من سماع أشهب .

                                                                                                                            وسألته عن عشيرة رجل ذكروا أن رجلا منهم بالأندلس وفي يد رجل منهم له دار وأنه ادعاها لنفسه وأنكر أن يكون لصاحبهم في يديه حق وسألوه أن يأذن لهم في المخاصمة وإثبات البينة عليه بحق الغائب قبل هلاك من يعلم ذلك ويشهد عليه هل ترى أن يأذن لهم في ذلك ، قال : لا أرى ذلك إلا بوكالة أو أمر يعرفه ، قال ابن رشد : مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة من رواية ابن غانم عن مالك ومن رواية أصبغ عن ابن القاسم عن مالك وزاد عن ابن القاسم أنه قال : فإن جهل القاضي فأمره بالمخاصمة فحكم عليه أوله لم يجز ذلك عليه ولا له وقال ابن نافع مثله وقد مضى القول على هذه المسألة محصلا مستوفى في الرسم الذي قبل هذا .

                                                                                                                            ويشير بذلك إلى ما في رسم الأقضية الثالث من السماع المذكور ونصه : وسألته عن الرجل يموت ويترك زوجة وبيدها ماله ورباعه ودوابه وكل كثير له وقليل وللهالك أخ غائب فيقوم ابن الأخ الغائب فيقول أنا أثبت أن هذا المال الذي بيدها كله لعمي وليس لها منه شيء وأبي وارثه ، فإذا قضي به لعمي فضعوه بيد عدل ولا تدفعوه إلي أو يقوم في ذلك رجل غير ابنه فيقول مثل مقالته ، فقال : أما الابن فأرى أن يمكن من ذلك فإذا ثبت ما قال وضع على يد عدل فأما الرجل غير ذلك فلا أدري ما هذا قال ابن رشد أجاز في هذه الرواية للابن أن يخاصم عن أبيه الغائب في رباعه وحيوانه وجميع ماله دون توكيل ، وكذلك الأب فيما ادعاه لابنه وقع ذلك في [ ص: 149 ] الجدار وقال في الواضحة : إن ذلك في الأب أبين منه في الابن ولم يجز ذلك لمن سوى الأب والابن من القرابة والعشيرة على ما سيأتي له في الرسم الذي بعد هذا وفي رسم الكبش من سماع يحيى ، غير أنه في هذه الرواية أراد المالك أن يمكن من إيقاع البينة وإثبات الحق لا أكثر ، وليس ما في رسم الكبش بمخالف لما في هذه الرواية .

                                                                                                                            وقد حملها بعض أهل النظر على الخلاف وليس ذاك بصحيح وقد اختلف في هذا على أربعة أقوال ( الأول ) ما حملت عليه هذه الرواية وما في رسم الكبش من سماع يحيى من التفرقة بين الأب والابن وبين سائر القرابة والأجنبيين ( والثاني ) أنه يمكن من قام عن غائب يطلب حقا له من المخاصمة عنه في ذلك دون توكيل وإن كان أجنبيا ذهب إلى هذا سحنون وإلى أن القاضي يوكل من يقوم بحقه ، تأويل ما روي عن مالك من أنه لا يمكن أحد إلا بوكالة ، فقال معناه فيما طال من الزمان ودرس فيه العلم وهو أحد قولي ابن الماجشون وروي ذلك عن أصبغ ( والثالث ) يمكن من إقامة البينة ولا يمكن من الخصومة ( والرابع ) أنه لا يمكن من إقامة البينة ولا من الخصومة وهو قول ابن الماجشون في الواضحة ومطرف .

                                                                                                                            وقد قيل إن القريب والأجنبي يمكن من المخاصمة في العبد والدابة والثوب دون توكيل ; لأن هذه الأشياء تفوت وتحول وتغيب ولا يمكن من المخاصمة فيما سوى ذلك من الدين وغيره إلا الأب والابن حكى هذا ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وهو قول خامس في المسألة واختلف إذا مكن القائم عن الغائب في المخاصمة عنه فيما يدعيه له دون توكيل على القول به فقيل ذلك في قريب الغيبة وبعيدها سواء ، وهو الظاهر من رواية أشهب هذه إذ لم يفرق فيها بين قريب الغيبة من بعيدها ، وكذلك حكاه أبو زيد عن ابن الماجشون في الحيوان يدعيه ابن الغائب أو أجنبي وقيل إن ذلك في القريب الغيبة دون البعيد وإلى هذا ذهب سحنون وابن حبيب فيما حكى عن مطرف ثم ذكر مسائل استدل بها لهذا القول وأطال في ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية