( فصل ) في بمنى ، أو سقوطه ورميها وشروط الرمي وتوابع ذلك ( إذا عاد إلى مبيت ليالي أيام التشريق الثلاثة منى ) من مكة ، أو لم يعد بأن لم يذهب لمكة ( بات ) وجوبا على الأصح ( بها ) فلا يجزئ خارجها ومنها ما أقبل من الجبال المحيط بها حدودها وأولها من جهة مكة أول العقبة التي بلصقها الجمرة ومن جهة عرفة محسر لكن هذا الحد غير معروف الآن للجهل بأول محسر لكنهم قالوا طول منى سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع فليقس من العقبة ويحد به ثم الظاهر من هذا التحديد أنه يعتبر ما سامت أول العقبة المذكور يمينا إلى الجبل ويسارا إلى الجبل وحينئذ يخرج من منى كثير يظنه أكثر الناس منها ( ليلتي ) يومي ( التشريق ) الأولين أي : معظمهما وكذا الثالثة إن لم ينفر نفرا صحيحا كما سيعلم من كلامه ( ورمى ) وجوبا بلا خلاف ويجب فيه جمعه ، أو فرقه أن يرمي ( كل يوم إلى الجمرات الثلاث ) لا الواجب فيه كما يعلم مما يأتي أن يكون ( كل جمرة سبع حصيات ) للاتباع ومحل ذلك حيث لا عذر ومنه قصد سقي الحاج والأصل في الرمي بمكة ، أو بطريقها ورعي دابة أو دواب [ ص: 126 ] ولو لغير الحاج نعم يمنع بعد الغروب النفر للرعي ؛ لأنه لا يكون ليلا بخلاف نحو سقاية ويلزم الرعاء بكسر الراء والمد العود للرمي في وقته .
ومر أن من نصف ليلة النحر إلى آخر أيام التشريق ويأتي أن وقت أداء رمي النحر يدخل بزواله ويستمر إلى آخرها فلهم كغيرهم ترك رمي النحر وما بعدها إلى آخرها ليرموا الكل قبيل غروب شمسه وبهذا يعلم أن معنى كون الرعي عذرا على المعتمد عدم الكراهة في تأخيره لأجله وإلا فهو مساو لغيره في الجواز ، فإن فرض خوفه على دابته لو عاد للرمي الذي يدرك به كان معنى كون الرعي عذرا له عدم الإثم كما هو ظاهر وأما جواب بعضهم عن قول رمي كل يوم من أيام التشريق الإسنوي من التناقض العجيب قولهما يجوز لذوي الأعذار تأخير رمي يوم لا يومين مع تصحيحهما أن لغيرهم تأخير رمي يومين فأكثر من غير عذر ؛ لأن أيام منى كالوقت الواحد بأن هذا فيمن بات ليالي منى وذاك في ذي عذر لم يبتها فامتناع التأخير عليه لتركه شعار المبيت والرمي فيرد بأن ما ترك للعذر بمنزلة المأتي به في عدم الإثم فلم يناسب التضييق بذلك مع العذر على أن هذا الجمع مخالف لإطلاقهم في الموضعين من غير معنى يشهد له فلا يلتفت إليه .
وإنما الوجه ما ذكرته من أن يجوز معناه من غير كراهة ولا يجوز معناه نفي الحل المستوي الطرفين فتأمله ويأتي قريبا ما يؤيده ومنه أيضا خوف على محترم ولو لغيره فيما يظهر أخذا مما مر في التيمم ومرض تشق معه الإقامة بمنى وتمريض منقطع وطلب نحو آبق وغير ذلك مما بينته في الحاشية ومنه ما مر في مزدلفة من [ ص: 127 ] الاشتغال بنحو طواف الركن بقيده وسيعلم مما يأتي أن العذر في المبيت يسقط دمه وإثمه وفي الرمي يسقط إثمه لا دمه ( تنبيه ) وقع بموسم سنة ثمان وخمسين ضحى يوم النحر فتنة عظيمة بين أمراء الحاج وأمير مكة ثم تزايدت واشتد الخوف حتى رحل أكثر الحجاج والمكيين ليلة القر وصبيحته ووقع النهب الفظيع ولم يزل الخوف يشتد حتى نفر من بقي مع الأمراء من الحجيج قبل زوال يوم النفر الأول وأراد بعض أكابر الحجاج أن يعود لمنى قبل فوات وقت الرمي مع جند من صاحب مكة فتعذر عليه ذلك لتمرد الأعراب وانتشارهم كالجراد وحينئذ اختلف المفتون في لزوم الدم .
وظاهر كلامهم لزومه كما بينته مع الميل إلى عدمه وبيان مستنده في إفتاء مبسوط مسطر في الفتاوى ومن ذلك المستند أن ما ذكروه من الأعذار بعضه لا يمنع فعله بالنفس وبعضه لا يمنع الاستنابة فلزم الدم لإمكان الفعل وأما هذا العذر فمانع للفعل بالنفس والنائب ؛ لأن كل واحد حتى الفقراء المتجردين صار خائفا على نفسه فلم يكن فيه تقصير ألبتة وأن كلام شارح يفيد ذلك وأن ما ذكروه في الإحصار لا ينافي ذلك ؛ لأن المبيت ثم يجب فيه دم مع العذر كما يأتي فالرمي أولى قيل وقع نظير ذلك وأن علماء مصر ومكة اختلفوا في الدم فأفتى بعدمه المصريون كشيخنا ومعاصريه وبوجوبه المكيون ( فإذا رمى اليوم الثاني فأراد النفر ) أي : التحرك للذهاب إذ حقيقة النفر الانزعاج فيشمل من أخذ في شغل الارتحال ويوافق الأصح في أصل الروضة أن غروبها ، وهو في شغل الارتحال لا يلزمه المبيت ، وإن اعترضه كثيرون ( قبل غروب الشمس ) يؤخذ من قوله أراد أنه لا بد من نية النفر مقارنة له وإلا لم يعتد بخروجه [ ص: 128 ] فيلزمه العود ؛ لأن الأصل وجوب مبيت ورمي الكل ما لم يتعجل عنه ولا يسمى متعجلا إلا من أراد ذلك .
ثم رأيت الزركشي قال لا بد من نية النفر ا هـ ويوجه بما ذكرته ( جاز ) إن كان بات الليلتين قبله ، أو تركهما للعذر ( وسقط مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها ) ولا دم عليه لقوله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } والأصل فيما لا إثم فيه عدم الدم لكن التأخير أفضل لا سيما للإمام إلا لعذر كخوف ، أو غلاء وذلك للاتباع بل في المجموع عن الماوردي ما يقتضي حرمته عليه أما إذا لم يبتهما ولا عذر له أو نفر قبل الزوال ، أو بعده وقبل الرمي فلا يجوز له النفر ولا يسقط عنه مبيت الثالثة ولا رمي يومها على المعتمد نعم ينفعه في غير الأولى العود قبل الغروب فيرمي وينفر حينئذ [ ص: 129 ] وبحث الإسنوي طرد ما ذكر في الأولى في الرمي فمن تركه لا لعذر امتنع عليه النفر ، أو لعذر يمكن معه تداركه ولو بالنائب فكذلك ، أو لا يمكن جاز ( فإن لم ينفر ) بضم فائه وكسرها ( حتى غربت ) الشمس ( وجب مبيتها ورمي الغد ) كما صح عن رضي الله عنهما . ابن عمر
ولو لم يلزمه المبيت ولا الرمي إن بات ووقع في كلام نفر لعذر ، أو غيره بعد الرمي قبل الغروب وليس في عزمه العود للمبيت ثم عاد لها قبله أو بعده الغزي هنا ما لا يصح فاحذره أما إذا كان في عزمه ذلك [ ص: 130 ] فيلزمه العود ولم تنفعه نية النفر ؛ لأنه مع عزمه العود لا يسمى نفرا ( ويدخل رمي ) كل يوم من أيام ( التشريق ) ، وهي ثلاثة بعد يوم النحر سميت بذلك لإشراق نهارها بنور الشمس وليلها بنور القمر وحكمة التسمية لا يلزم اطرادها ، أو ؛ لأنهم يشرقون اللحم فيها أي : يقددونه ، وهي المعدودات في الآية لقلتها والمعلومات عشر ذي الحجة ( بزوال الشمس ) من ذلك اليوم للاتباع ويستحب فعله عقبه وقبل صلاة الظهر ما لم يضق الوقت ولم يرد جمع التأخير ( ويخرج ) وقت اختياره ( بغروبها ) من كل يوم كما هو المتبادر من العبارة لعدم وروده ليلا ( وقيل يبقى ) وقت الجواز وحينئذ ففي حمل المتن على وقت الاختيار الذي اعتمده ابن الرفعة وغيره نظر ؛ لأن الوجه الثاني لا يكون مقابلا له حينئذ فالأولى حمله على وقت الجواز ويكون جريا على الضعيف الذي تناقض فيه كلامه في غير هذا الكتاب .
ولك أن تحمل الغروب على غروب آخر أيام التشريق ليكون الضعيف مقابلا له مع جريانه على الأصح والمراد حينئذ لازم ويخرج والمعنى ويبقى أي : وقت الجواز إلى غروبها آخر أيام التشريق وقيل يبقى وقت الجواز إلى فجر الليلة التي تلي كل يوم لا غير ( إلى الفجر ) كوقوف عرفة ومحله في غير ثالثها لخروج وقت الجواز وغيره بغروب شمسه قطعا