الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فلما تبين للملك عذر يوسف ورأى أمانته ، قال: ائتوني به أستخلصه لنفسي [12: 54] فلما جاءه الرسول خرج معه ودعا لأهل السجن وكتب على بابه : هذا قبر الأحياء وبيت الأحزان وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء .

            ثم اغتسل ولبس ثيابه وقصد الملك ، فلما وصل إليه و كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين . فقال يوسف : اجعلني على خزائن الأرض . فاستعمله بعد سنة ولو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ، فسلم خزائنه كلها بعد سنة وجعل القضاء إليه وحكمه نافذا ، فولاه عمل قطفير ، وعزل قطفير ، فهلك قطفير في تلك الأيام ، وزوج الملك يوسف امرأة قطفير ، فلما دخلت عليه قال: أليس هذا خيرا مما كنت تريدين ، فقالت: أيها الصادق لا تلمني فإني كنت امرأة حسناء في ملك ودنيا ، وكان صاحبي لا يأتي النساء ، وكنت فيما أعطاك ربك من الحسن فغلبتني نفسي ، فيزعمون أنه وجدها عذراء فأصابها ، فولدت له أفراييم وميشا ، فولد لأفراييم نون ، وولد لنون يوشع فتى موسى ، وولد لميشا موسى ، وهو نبي قبل موسى بن عمران . وقد روي في حقها غير هذا على ما سيأتي .

            فلما ولي يوسف أمر الناس بالزرع فزرعوا ، فأمر بترك الزرع في سنبله ، ودخلت السنون المجدبة ، وقحط الناس وأجدبت بلاد فلسطين ، وباع يوسف الطعام بالدنانير والدراهم والحلي والجلل ، ثم باعهم في السنة الأخرى بالعبيد والإماء ، ثم باعهم بعد ذلك بالخيل والدواب ، ثم بالمواشي والبقر والطير ، ثم بالقرى والضياع والمنازل ، ثم باعهم بأنفسهم ، فلم يبق بمصر رجل ولا امرأة ولا صغير ولا كبير إلا صار في ملك يوسف .

            عن عمر بن عبد الله القرشي ، قال: جاء سيل [بمصر] فحسر عن بيت من ذهب في أصل جبل عليه مصراعان ، وفيه امرأة عليها سبعة عقود وسبعة أسورة ، وإلى جانبها صخرة مكتوب فيها: أنا شادة بنت فلان الملك ، أصابتنا مجاعة على عهد يوسف ، فبذلت صاعا من درهم بصاع من طعام ، فلم أقدر عليه ، ثم بذلت صاعا من دنانير بصاع من طعام فلم أقدر عليه ، ثم بذلت صاعا من لؤلؤ بصاع من طعام فلم أقدر عليه ، فعمدت إلى اللؤلؤ فسحقته ثم شربته فزادني جوعا ، فمت جوعا ، فأيما امرأة طلبت الدنيا بعد فأماتها الله موتي؛ فإني إنما مت جوعا .



            التالي السابق


            الخدمات العلمية