الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فرجعوا إلى مصر ، فدخلوا على يوسف فقالوا: مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة [12: 88] وكانت سمنا وصوفا ، فسألوا التجاوز عنهم ، وقالوا له: وتصدق علينا [12: 88] أي: بفضل ما بين الرديء والجيد ، وقيل: ترد أخانا . فلما سمع كلامهم غلبته نفسه فارفض دمعه باكيا ثم باح لهم بالذي كان يكتم ، وقيل : إنما أظهر لهم ذلك لأن أباه كتب إليه ، حين قيل له إنه أخذ ابنه لأنه سرق - كتابا :

            من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر المظهر العدل

            أما بعد ، فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء ، وأما جدي فشدت يداه ورجلاه ، وألقي في النار فجعلها الله بردا وسلاما ، وأما أبي فشدت يداه ورجلاه ، ووضع السكين على حلقه ليذبح ففداه الله ، وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب أولادي إلي فذهب به إخوته إلى البرية فعادوا ومعهم قميصه ملطخا بدم ، وقالوا : أكله الذئب ، وكان لي ابن آخر أخوه لأمه فكنت أتسلى به فذهبوا به ، ثم رجعوا ، وقالوا : إنه سرق وإنك حبسته ، وإنا أهل بيت لا نسرق ، ولا نلد سارقا ، فإن رددته علي وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك .

            فلما قرأ الكتاب لم يتمالك أن بكى وأظهر لهم فقال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا بأن جمع بيننا ، فاعتذروا و قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم . أي لا أذكر لكم ذنبكم ، يغفر الله لكم ، ثم سألهم عن أبيه ، فقالوا : لما فاته بنيامين عمي من الحزن ، فقال : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين . فقال يهودا : أنا أذهب به لأني ذهبت إليه بالقميص ملطخا بالدم وأخبرته أن يوسف أكله الذئب ، فأنا أخبره أنه حي فأفرحه كما أحزنته . وكان هو البشير .

            ولما فصلت العير عن مصر حملت الريح إلى يعقوب ريح يوسف ، وبينهما ثمانون فرسخا ، يوسف بمصر ويعقوب بأرض كنعان . فقال يعقوب : إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ؟ فقال له من حضره من أولاده : تالله إنك من ذكر يوسف لفي ضلالك القديم فلما أن جاء البشير بقميص يوسف ألقاه على وجه يعقوب فعاد بصيرا و قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ، يعني تصديق الله تأويل رؤيا يوسف ، و لما أن جاء البشير قال له يعقوب : كيف تركت يوسف ؟ قال : إنه ملك مصر . قال : ما أصنع بالملك ! على أي دين تركته ؟ قال : على الإسلام . قال : الآن تمت النعمة . فلما رأى من عنده من أولاده قميص يوسف وخبره قالوا له : ياأبانا استغفر لنا ذنوبنا قال سوف أستغفر لكم أخر الدعاء إلى السحر من ليلة الجمعة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية