الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            دخل رءوس القبط على فرعون وكلموه ، وقالوا : إن هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت فيوشك أن يقع العمل على غلماننا ، تذبح الصغار وتفني الكبار ، فلو أنك كتبت تبقي من أولادهم ، فأمر فرعون بقتل الأبناء عاما ، وأن يتركوا عاما ، فولد هارون ، عليه السلام ، في عام المسامحة عن قتل الأبناء ، وولد موسى ، عليه السلام ، في عام قتلهم ، وقال قوم: بينهما ثلاث سنين .

            قال وهب: بلغني أنه ذبح سبعين ألف وليد فضاقت أمه به ذرعا ، واحترزت من أول ما حبلت به ، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحبل ، ولم تعلم بولادتها إلا أخته مريم ، فكتمته ثلاثة أشهر . فلما وضعت ألهمت أن اتخذت له تابوتا ، فربطته في حبل ، وكانت دارها متاخمة للنيل ، فكانت ترضعه ، فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت فأرسلته في البحر ، وأمسكت طرف الحبل عندها ، فإذا ذهبوا استرجعته إليها به . قال الله تعالى : وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين هذا الوحي وحي إلهام وإرشاد ، كما قال تعالى : وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا [ النحل : 68 ، 69 ] . وليس هو بوحي نبوة ; كما زعمه ابن حزم ، وغير واحد من المتكلمين ، بل الصحيح الأول ، كما حكاه أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة . قال السهيلي : واسم أم موسى ياوخ وقيل : أياذخت .

            والمقصود أنها أرشدت إلى هذا الذي ذكرناه ، وألقي في خلدها وروعها أن لا تخافي ولا تحزني ، فإنه إن ذهب فإن الله سيرده إليك ، وإن الله سيجعله نبيا مرسلا ، يعلي كلمته في الدنيا والآخرة ، فكانت تصنع ما أمرت به.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية