دخل رءوس القبط على فرعون وكلموه ، وقالوا : إن هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت فيوشك أن يقع العمل على غلماننا ، تذبح الصغار وتفني الكبار ، فلو أنك كتبت تبقي من أولادهم ، فأمر فرعون بقتل الأبناء عاما ، وأن يتركوا عاما ، فولد هارون ، عليه السلام ، في عام المسامحة عن قتل الأبناء ، وولد موسى ، عليه السلام ، في عام قتلهم ، وقال قوم: بينهما ثلاث سنين .
قال وهب: بلغني أنه ذبح سبعين ألف وليد فضاقت أمه به ذرعا ، واحترزت من أول ما حبلت به ، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحبل ، ولم تعلم بولادتها إلا أخته مريم ، فكتمته ثلاثة أشهر . فلما وضعت ألهمت أن اتخذت له تابوتا ، فربطته في حبل ، وكانت دارها متاخمة للنيل ، فكانت ترضعه ، فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت فأرسلته في البحر ، وأمسكت طرف الحبل عندها ، فإذا ذهبوا استرجعته إليها به . قال الله تعالى : وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين هذا الوحي وحي إلهام وإرشاد ، كما قال تعالى : وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا [ النحل : 68 ، 69 ] . وليس هو بوحي نبوة ; كما زعمه ابن حزم ، وغير واحد من المتكلمين ، بل الصحيح الأول ، كما حكاه أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة . قال السهيلي : واسم أم موسى ياوخ وقيل : أياذخت .
والمقصود أنها أرشدت إلى هذا الذي ذكرناه ، وألقي في خلدها وروعها أن لا تخافي ولا تحزني ، فإنه إن ذهب فإن الله سيرده إليك ، وإن الله سيجعله نبيا مرسلا ، يعلي كلمته في الدنيا والآخرة ، فكانت تصنع ما أمرت به.