الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قصة بلعام بن باعوراء ، الذي قال تعالى فيه : واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون [ الأعراف : 175 - 177 ] . وأنه كان فيما قاله ابن عباس ، وغيره ، يعلم الاسم الأعظم ، وأن قومه سألوه أن يدعو على موسى وقومه ، روى محمد بن إسحاق ، عن سالم بن أبي النضر ، أنه حدث أن موسى لما نزل في أرض كنعان من أرض الشام ، وكان بلعام بقرية من قرى البلقاء ، فأتى قوم بلعم إلى بلعم ، فقالوا له: هذا موسى بن عمران في بني إسرائيل ، قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل ويسكنها ، وإنا قومك وليس لنا منزل ، وأنت رجل مجاب الدعوة فادع الله عليهم . فقال: ويلكم! نبي الله معه الملائكة والمؤمنون فكيف أدعو عليهم وأنا أعلم من الله [ما أعلم] .

            قالوا: ما لنا من منزل ، فلم يزالوا به يرققونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن فركب حماره متوجها إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل ، فما سار عليها غير قليل حتى ربضت به ، فنزل عنها فضربها حتى أذلقها وأذن الله لها فكلمته ، فقالت:

            ويحك يا بلعم! أين تذهب؟! ألا ترى الملائكة أمامي تردني [عن] وجهي هذا ، أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم! فلم ينزع عنها يضربها ، فخلى الله سبيلها حين فعل بها ذلك .



            فانطلقت حتى إذا أشرفت به على عسكر موسى وبنى إسرائيل جعل لا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل .

            قال: فقال قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع إنما تدعو لهم وتدعو علينا ، قال: فهذا ما لا أملك ، هذا شيء قد غلب الله عليه ، فاندلع لسانه فوقع على صدره ، فقال لهم: قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة ، فلم يبق إلا المكر والحيلة ، فسأحتال لكم . جملوا النساء وأعطوهن السلع ، ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ، وأمروهن أن لا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها ، فإنه إن زنى رجل واحد منهم كفيتموهم .

            فزينوا نساءهم وبعثوهن إلى المعسكر ، فمرت امرأة منهم اسمها كستى برجل من عظماء بني إسرائيل ، وهو زمري بن شلوم ، يقال إنه كان رأس سبط بني شمعون بن يعقوب . فدخل بها قبته ، فلما خلا بها أرسل الله الطاعون على بني إسرائيل ، فجعل يجوس فيهم ، فلما بلغ الخبر إلى فنحاص بن العيزار بن هارون ، أخذ حربته ، وكانت من حديد فدخل عليهما القبة ، فانتظمهما جميعا فيها ، ثم خرج بهما على الناس والحربة في يده ، وقد اعتمد على خاصرته وأسندها إلى لحيته ، ورفعهما نحو السماء وجعل يقول : اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك . ورفع الطاعون ، فكان جملة من مات في تلك الساعة سبعين ألفا ، والمقلل يقول : عشرين ألفا . وكان فنحاص بكر أبيه العيزار بن هارون ، فلهذا يجعل بنو إسرائيل لولد فنحاص من الذبيحة القبة والذراع واللحي ، ولهم البكر من كل أموالهم وأنفسهم . وقد قيل: إن بلعام لما دعا على قوم موسى تاهوا ، وإن موسى دعا عليه ثم حارب أهل بلده بعد خروجه من التيه ، فأسره وقتله ، وحارب الكنعانيين ، وقتل عوج ، وحارب موسى اليونانيين والمديانيين والأمم الكافرة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية