الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ذهاب السبعين إلى الطور يعتذرون من عبادة العجل]

            ثم إن موسى اختار من قومه سبعين رجلا من أخيارهم ، وقال لهم : انطلقوا معي إلى الله فتوبوا مما صنعتم ، وخرج بهم إلى طور سينا للميقات الذي وقته الله له وذكر السدي ، وابن عباس ، وغيرهما ، أن هؤلاء السبعين كانوا علماء بني إسرائيل ، ومعهم موسى ، وهارون ، ويوشع ، وناداب ، وأبيهو ، ذهبوا مع موسى ، عليه السلام ، ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجل ، وكانوا قد أمروا أن يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا ، فلما ذهبوا معه ، واقتربوا من الجبل ، وعليه الغمام ، وعمود النور ساطع ، وصعد موسى الجبل ، فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كلام الله ، وهذا قد وافقهم عليه طائفة من المفسرين ، وحملوا عليه قوله تعالى : وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون [ البقرة : 57 ] . وليس هذا بلازم; لقوله تعالى : فأجره حتى يسمع كلام الله أي; مبلغا ، وهكذا هؤلاء سمعوه مبلغا من موسى ، عليه السلام . وزعموا أيضا أن السبعين رأوا الله ، وهذا غلط منهم; لأنهم لما سألوا الرؤية أخذتهم الرجفة; كما قال تعالى : وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون [ البقرة : 55 ، 56 ] . قال محمد بن إسحاق : اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلا ، الخير فالخير وقال : انطلقوا إلى الله ، فتوبوا إليه مما صنعتم ، وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم ، صوموا وتطهروا ، وطهروا ثيابكم . فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه ، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم ، فطلب منه السبعون أن يسمعوا كلام الله ، فقال : أفعل . فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ، ودنا موسى فدخل في الغمام ، وقال للقوم : ادنوا . وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهته نور ساطع ، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه ، فضرب دونه بالحجاب ، ودنا القوم ، حتى إذا دخلوا في الغمام ، وقعوا سجودا ، فسمعوه وهو يكلم موسى ، يأمر وينهاه; افعل . ولا تفعل . فلما فرغ الله من أمره ، وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم قالوا لموسى : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الرجفة - وهي الصاعقة - فافتلتت أرواحهم ، فماتوا جميعا فقام موسى يناشد ربه ، ويدعوه ، ويرغب إليه ، ويقول : رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا أي; لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء الذين عبدوا العجل منا ، فإنا برآء مما عملوا . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن جريج : إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل . وقوله : إن هي إلا فتنتك أي; اختبارك ، وابتلاؤك ، وامتحانك . قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس ، وغير واحد من علماء السلف والخلف . يعني : أنت الذي قدرت هذا ، وخلقت ما كان من أمر العجل ، اختبارا تختبرهم به ، كما قال لهم هارون من قبل : يا قوم إنما فتنتم به أي ; اختبرتم به ، ولهذا قال : تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أي ; من شئت أضللته باختبارك إياه ، ومن شئت هديته ، لك الحكم والمشيئة ، فلا مانع ولا راد لما حكمت وقضيت . أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين .

            واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك أي; تبنا إليك ورجعنا وأنبنا . قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء أي; أنا أعذب من شئت بما أشاء من الأمور ، التي أخلقها وأقدرها ، ورحمتي وسعت كل شيء كما ثبت في " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض ، كتب كتابا ، فهو موضوع عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون أي; فسأوجبها حتما لمن يتصف بهذه الصفات .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية