قصة عيسى ابن مريم عليه السلام
جاء في كتاب الله تعالى كيف أن امرأة عمران أم مريم عليها السلام نذرت إن حملت وأكرمها الله بالولد أن تجعل ما في بطنها محررا أي حبيسا في خدمة بيت المقدس، فلما حملت ووضعت مريم عليها السلام قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم
وقد أخذتها وذهبت بها إلى المسجد وسلمتها، ومريم يومئذ بنت رئيس صلاتهم فتنازعوا بينهم من منهم يكفل مريم عليها السلام فاقترعوا بينهم فوقعت القرعة على زكريا عليه السلام وهو أحق بكفالتها شرعا وقدرا حيث إنه نبي هذا الزمان وزوج أختها على قول أو زوج خالتها على قول آخر.
وقد نشأت مريم عليها السلام بين جنبات المسجد تقوم بنوبتها في خدمة المسجد ولا تفتر من العبادة ليلا أو نهارا حتى اشتهر أمرها وكرمها وشرفها، وكان زكريا كلما دخل عليها وجد من عجائب الرزق حيث كان يجد فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، فلما سألها أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب [آل عمران: 37].
ولما شبت مريم وبلغت مبلغ النساء أرسل الله إليها جبريل عليه السلام فتمثل لها بشرا سويا يبشرها بأنها ستلد غلاما زكيا، فلما استعجبت من ذلك أخبرها بأنه أمر قضاه الله تعالى، فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السلام.
فلما أحست مريم خرجت إلى جانب المحراب الشرقي فأتت أقصاه فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت - وهي تطلق من الحبل استحياء من الناس - يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، يعني نسي ذكري وأثري فلا يرى لي أثر ولا عين.
وحينئذ ناداها من تحتها جبريل أو عيسى عليه السلام ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا نهرا وكان ثمة جذع نخلة كانت قد احتضنته من شدة الألم فاخضر وأرطب فأمرها بهزه فسقط عليها الرطب فأكلت وشربت وقرت عينها، وأمرها إن رأت من البشر أحدا أن تخبره بأنها صائمة فلن تكلم اليوم إنسيا.
ولما حملته وأتت به قومها تحمله، وأقامت الحجة عليهم بطهرها وعفافها أنه إنما هو أمر قضاه الله عليها خرجت به خوفا عليه من اليهود وسارت به ويوسف النجار إلى أرض مصر.
وقد عصم الله سبحانه المسيح عليه السلام من أن يمسه وأمه الشيطان، وقد جاء في صفته عليه السلام أنه كان يلبس الشعر ويأكل من ورق الشجر ، ولا يأوي إلى منزل ولا أهل ولا مال ، ولا يدخر شيئا لغد.
وعن خلف بن حوشب قال : قال عيسى للحواريين : كما ترك لكم الملوك الحكمة ، فكذلك فاتركوا لهم الدنيا ، وكان يقول : حب الدنيا رأس كل خطيئة ، والنظر يزرع في القلب الشهوة .
والمأثور عنه من المواعظ كثير، وقد كان يسكن عليه السلام الناصرة من ساعير أرض الخليل، وقد عصمه الله تعالى من إبليس عليه لعنة الله رغم محاولات إغوائه المتكررة.
هذا وقد وهب الله لنبيه عليه السلام العديد من الآيات الباهرات حجة على قومه بدءا من معجزة ولادته من غير أب وتكلمه في المهد وحتى شفاء المرضى وإحياء الموتى، وإنزال مائدة من السماء، إلى غير ذلك من المعجزات والآيات البينات.
فلما زاد اليهود في العناد وأرادوا به الكيد رفعه الله سبحانه إليه فكان في رفعه آية وفتنة هلك فيها من هلك وضل وآمن فيها من آمن واستقام.
وقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أنه نازل فينا في آخر الزمان فيكسر الصليب ويقتل الخنزير والدجال ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.
واختلف الناس بعد رفع الله سبحانه له صلى الله عليه وسلم على ثلاث فرق ، فقالت طائفة : كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء . وهؤلاء اليعقوبية، وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء، ثم رفعه الله إليه. وهؤلاء النسطورية، وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ، ثم رفعه الله إليه، وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم.
وظل الجدال حول المسيح وطبيعته يشتد ويحتد حتى كان عهد قسطنطين فدعاهم إلى المجمع الأول وأقر فيه ما هم عليه من الضلال وخرج المسلمون الموحدون إلى الجبال الصحاري وبنوا بها الصوامع والبيع ورضوا بالزهيد من العيش مع بقائهم على توحيد ربهم.
وقد نصت بعض الكتب على أسماء الحواريين الذين آمنوا بعيسى عليه السلام فأولهم شمعون الصفا، ثم أندرواس أخوه ثم ربدى، ثم يوحنا أخوه ثم تولوس، ثم لوقا، ثم برتملى، ثم ثوما، ثم متى الماكس، ثم يعقوب بن خلفى، ثم شمعون العتاني، ثم مارقوش.
وقد توفى الله مريم عليها السلام بعد رفع المسيح عليه السلام بست سنين وكانت قد تجاوز عمرها الخمسين عاما عليها السلام.