الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكرنا حال مريم في خدمة الكنيسة ، وكانت هي وابن عمها يوسف بن يعقوب بن ماثان النجار يليان خدمة الكنيسة ، وكان يوسف حكيما نجارا يعمل بيديه ويتصدق بذلك .

            وقالت النصارى : إن مريم كان قد تزوجها يوسف ابن عمها إلا أنه لم يقربها إلا بعد رفع المسيح ، والله أعلم .

            وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف ابن عمها أخذ كل واحد منهما قلته وانطلق إلى المغارة التي فيها الماء يستعذبان منه ثم يرجعان إلى الكنيسة ، فلما كان اليوم الذي لقيها فيه جبريل نفد ماؤها فقالت ليوسف ليذهب معها إلى الماء ، فقال : عندي من الماء ما يكفيني إلى غد ، فأخذت قلتها وانطلقت وحدها حتى دخلت المغارة ، فوجدت جبرائيل قد مثله الله لها بشرا سويا ، فقال لها : يا مريم إن الله قد بعثني إليك لأهب لك غلاما زكيا . قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا أي مطيعا لله ، وقيل : هو اسم رجل بعينه ، وتحسبه رجلا ، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا - أي زانية - قال كذلك قال ربك ، إلى قوله أمرا مقضيا

            فلما قال ذلك استسلمت لقضاء الله ، ونفخ في جيب درعها ثم انصرف عنها وقد حملت بالمسيح ، وملأت قلتها وعادت ، وكان لا يعلم في أهل زمانها أعبد منها ومن ابن عمها يوسف النجار ، وكان معها ، وهو أول من أنكر حملها ، فلما رأى الذي بها استعظمه ولم يدر على ماذا يضع ذلك منها ، فإذا أراد يتهمها ذكر صلاحها وأنها لم تغب عنه ساعة قط ، وإذا أراد يبرئها رأى الذي بها ، فلما اشتد ذلك عليه كلمها فكان أول كلامه لها أن قال لها : إنه قد وقع من أمرك شيء قد حرصت على أن أميته وأكتمه فغلبني . فقالت : قل قولا جميلا . فقال : حدثيني هل ينبت زرع بغير بذر ؟ قالت : نعم . قال : فهل ينبت شجر بغير غيث يصيبه ؟ قالت : نعم . قال : فهل يكون ولد بغير ذكر ؟ قالت له : نعم ، ألم تعلم أن الله أنبت الزرع يوم خلقه بغير بذر ! ألم تعلم أن الله خلق الشجر من غير مطر ! وأنه جعل بتلك القدرة الغيث حياة للشجر بعدما خلق كل واحد منهما وحده ! أو تقول لن يقدر الله على أن ينبت حتى يستعين بالبذر والمطر ! قال يوسف : لا أقول هكذا ولكني أقول إن الله يقدر على ما يشاء ، إنما يقول لذلك كن فيكون . قالت له : ألم تعلم أن الله خلق آدم وحواء من غير ذكر ولا أنثى ! قال : بلى ، فلما قالت له ذلك وقع في نفسه أن الذي بها شيء من الله لا يسعه أن يسألها عنه لما رأى من كتمانها له .

            وقيل : إنها خرجت إلى جانب الحجرات لحيض أصابها فاتخذت من دونهم حجابا من الجدران ، فلما طهرت إذا برجل معها ، وذكر الآيات ، فلما حملت أتتها خالتها امرأة زكرياء ليلة تزورها ، فلما فتحت لها الباب التزمتها ، فقالت امرأة زكرياء : إني حبلى . فقالت لها مريم : وأنا أيضا حبلى . قالت امرأة زكرياء : فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك .

            وولدت امرأة زكرياء يحيى . وقد اختلف في مدة حملها ، فقيل : تسعة أشهر ، وهو قول النصارى ، وقيل ثمانية أشهر ، فكان ذلك آية أخرى لأنه لم يعش مولود لثمانية أشهر غيره ، وقيل : ستة أشهر ، وقيل ثلاث ساعات ، وقيل : ساعة واحدة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية