الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            بدء الوحي

            قال علماء السير: أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام حين تم له ثلاثون سنة ، فأمره أن يبرز للناس فيدعوهم إلى الله عز وجل . وكانوا أرباب أوثان ، ثم أنزل عليه الإنجيل بالسريانية .

            معجزة إحياء الموتى

            وعن سلمان الفارسي ، قال: لم يبق في مدينتهم زمن ولا مبتلى ولا مريض إلا اجتمعوا إليه فدعا لهم فشفاهم الله ، فصدقوه واتبعوه ، ثم قالوا له: ابعث لنا من الآخرة ، قال: من تريدون ؟ قالوا: سام بن نوح ، فإنه قد مات منذ كذا وكذا ألف سنة ، قال: تعلمون أين قبره ؟ قالوا: في وادي كذا وكذا .

            فانطلقوا إلى الوادي ، فصلى عيسى ركعتين ، ثم قال: يا رب ، إنهم سألوني ما قد علمت ، فابعث لي سام بن نوح ، فقال: يا سام بن نوح ، قم بإذن الله ، ثم نادى مثل ذلك ، ثم نادى الثالثة ، فأجابه فنظر إلى الأرض قد انشقت عنه ، فخرج وهو ينفض التراب عن رأسه وهو يقول: لبيك يا رسول الله وكلمته ، ها أنا ذا قد جئتك . فقال: يا بني إسرائيل ، هذا عيسى بن مريم ، ابن العذراء المباركة ، روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ، فآمنوا به واتبعوه .

            ثم قال: يا روح الله ، إنك لما دعوتني جمع الله مفاصلي وعظامي ، ثم سواني [ خلقا ] فلما دعوتني الثانية رجعت إلي روحي ، فلما دعوتني الثالثة خفت أن تكون القيامة ، فشاب رأسي وأتاني ملك ، فقال: هذا عيسى يدعوك لتصدق مقالته ، يا روح الله ، سل ربك أن يردني إلى الآخرة فلا حاجة لي في الدنيا .

            قال عيسى : فإن شئت أن تكون معي ، قال: يا عيسى ، أكره كرب الموت ، ما ذاق الذائقون مثله . فدعا ربه فاستوت عليه الأرض ، وقبضه الله إليه ، فبلغ عدة من آمن بعيسى سبعة آلاف .

            قال ابن الجوزي: وقد روي أن الذي أحياه حام [ بن نوح ] .

            وعن ابن شهاب ، قال: قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: أحي حام بن نوح ، فقال: أروني قبره ، فأروه فقام فقال: يا حام بن نوح احي بإذن الله ، فلم يخرج ، ثم قالها الثانية ، فإذا شق رأسه ولحيته أبيض . فقال: ما هذا ؟ قال: سمعت الدعاء الأول فظننت أنه من الله عز وجل ، فشاب له شقي ، ثم سمعت الثاني فعلمت أنه من الدنيا فخرجت . قال: منذ كم مت ؟ قال: منذ أربعة آلاف سنة ما ذهبت عني سكرة الموت .

            وعن كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وابن عباس ، وسلمان الفارسي - دخل حديث بعضهم في بعض - قالوا : لما بعث عيسى ابن مريم وجاءهم بالبينات ، جعل الكافرون والمنافقون من بني إسرائيل يعجبون منه ويستهزئون به فيقولون : ما أكل فلان البارحة ، وما ادخر في بيته ؟ فيخبرهم ، فيزداد المؤمنون إيمانا ، والكافرون والمنافقون شكا وكفرانا ، وكان عيسى ، مع ذلك ، ليس له منزل يأوي إليه ، إنما يسيح في الأرض ليس له قرار ولا موضع يعرف به ، فكان أول ما أحيا من الموتى ، أنه مر ذات يوم على امرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي ، فقال لها : ما لك أيتها المرأة ؟ فقالت : ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها ، وإني عاهدت ربي أن لا أبرح من موضعي هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت ، أو يحييها الله لي فأنظر إليها . فقال لها عيسى : أرأيت إن نظرت إليها أراجعة أنت ؟ قالت : نعم . قالوا : فصلى ركعتين ، ثم جاء فجلس عند القبر ، فنادى : يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي . قال : فتحرك القبر ، ثم نادى الثانية ، فانصدع القبر بإذن الله ، ثم نادى الثالثة ، فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب ، فقال لها عيسى : ما بطأ بك عني ؟ فقالت : لما جاءتني الصيحة الأولى بعث الله لي ملكا فركب خلقي ، ثم جاءتني الصيحة الثانية ، فرجع إلي روحي ، ثم جاءتني الصيحة الثالثة ، فخفت أنها صيحة القيامة ، فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني ; من مخافة القيامة . ثم أقبلت على أمها فقالت : يا أمتاه ، ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين ؟ يا أمتاه ، اصبري واحتسبي ، فلا حاجة لي في الدنيا ، يا روح الله وكلمته ، سل ربي أن يردني إلى الآخرة ، وأن يهون علي كرب الموت . فدعا ربه فقبضها إليه ، واستوت عليها الأرض ، فبلغ ذلك اليهود ، فازدادوا عليه غضبا . قال وهب : بينما عيسى يلعب مع الصبيان إذ وثب غلام على صبي فضربه برجله فقتله فألقاه بين رجلي المسيح متلطخا بالدم ، فانطلقوا به إلى الحاكم في ذلك البلد فقالوا : قتل صبيا ، فسأله الحاكم ، فقال : ما قتلته . فأرادوا أن يبطشوا به ، فقال : إيتوني بالصبي حتى أسأله من قتله ، فتعجبوا من قوله ، وأحضروا عنده القتيل ، فدعا الله فأحياه ، فقال : من قتلك ؟ فقال : قتلني فلان ، يعني الذي قتله . فقال بنو إسرائيل للقتيل : من هذا ؟ قال : هذا عيسى ابن مريم ، ثم مات الغلام من ساعته .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية