فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحب ألا يوافي رسول الله صلى الله عليه وسلم الموعد ، وكان أبو سفيان يظهر أنه يريد أن يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع كثيف ، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع ، وتسير في العرب ، فيهاب المسلمون ذلك .
وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة- وأسلم بعد ذلك- فبصر أبا سفيان وقريشا بتهيؤ المسلمين لحربهم . وكان عام جدب ، فأعلمه أبو سفيان بأنه كاره للخروج إلى لقاء المسلمين ، واعتل بجدب الأرض ، وجعل لنعيم عشرين فريضة توضع تحت يد سهيل بن عمرو ، على أن يخذل المسلمين عن المسير لموعده ، وحمله على بعير . فقدم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان حتى أرعب المسلمين ، وهو يطوف فيهم حتى قذف الرعب في قلوبهم ، ولم يبق لهم نية في الخروج ، واستبشر المنافقون واليهود ، وقالوا : محمد لا يفلت من هذا الجمع ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى خشي ألا يخرج معه أحد ، وجاءه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقد سمعا ما سمعا ، وقالا : يا رسول الله إن الله تعالى مظهر دينه ، ومعز نبيه ، وقد وعدنا القوم موعدا لا نحب أن نتخلف عنه ، فيرون أن هذا جبن ، فسر لموعدهم ، فوالله إن في ذلك لخيرة ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، ثم قال : والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد .
فنصر الله تعالى المسلمين ، وأذهب عنهم ما كان الشيطان رعبهم .