الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            مغانم خيبر ومقاسمها

            عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر ، فلم يغنم ذهبا ولا فضة إلا الإبل والبقر والمتاع والحوائط . وفي رواية إلا الأموال والثياب والمتاع . رواه مالك والشيخان ، وأبو داود ، والنسائي . وقال ابن إسحاق : وكانت المقاسم على أموال خيبر على الشق ونطاة والكتيبة ، وكانت الشق ، ونطاة في سهمان المسلمين ، وكانت الكتيبة خمس الله ، وسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وطعم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وطعم رجال مشوا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل فدك بالصلح ، منهم محيصة بن مسعود ، أعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ثلاثين وسقا من شعير ، وثلاثين وسقا من تمر ، وقسمت خيبر على أهل الحديبية ، من شهد خيبر ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام - رضي الله عنهما - فقسم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسهم من حضرها ، وكان وادياها - وادي السريرة ، ووادي خاص ، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر .

            وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهما ، نطاة من ذلك خمسة أسهم ، والشق ثلاثة عشر سهما ، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم وثمانمائة سهم ، وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم ، للرجال أربع عشرة مائة ، والخيل مائتا فرس ، فكان لكل فرس سهمان ، ولفارسه سهم ، وكان لكل راجل سهم ، وكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل ، فكانت ثمانية عشر سهما ، جمع .

            ثم قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتيبة ، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه وبين رجال مسلمين ونساء أعطاهم منها .

            قال ابن إسحاق : فكان علي بن أبي طالب رأسا ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وعمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخو بني العجلان ، وأسيد بن حضير ، وسهم الحارث بن الخزرج ، وسهم ناعم ، وسهم بني بياضة ، وسهم بني عبيد ، وسهم بني حرام من بني سلمة ، وعبيد السهام .

            قال ابن هشام : وإنما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر ، وهو عبيد بن أوس ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس .

            قال ابن إسحاق : وسهم ساعدة ، وسهم غفار وأسلم ، وسهم النجار وسهم حارثة ، وسهم أوس . فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام . وهو الخوع ، وتابعه السرير ؛ ثم كان الثاني سهم بياضة ، ثم كان الثالث سهم أسيد ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج ، ثم كان الخامس سهم ناعم لبني عوف بن الخزرج ومزينة وشركائهم ، وفيه قتل محمود بن مسلمة ؛ فهذه نطاة . ثم هبطوا إلى الشق ، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي ، أخي بني العجلان ، ومعه كان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سهم عبد الرحمن بن عوف ، ثم سهم ساعدة ، ثم سهم النجار .

            ثم سهم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، ثم سهم طلحة بن عبيد الله ، ثم سهم غفار وأسلم ، ثم سهم عمر بن الخطاب ، ثم سهم سلمة بن عبيد وبني حرام ، ثم سهم حارثة ، ثم سهم عبيد السهام ، ثم سهم أوس ، وهو سهم اللفيف ، جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب ؛ وكان حذوه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي .

            ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتيبة ، وهي وادي خاص ، بين قرابته وبين نسائه ، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته مئتي وسق ، ولعلي بن أبي طالب مئة وسق ، ولأسامة بن زيد مئتي وسق ، وخمسين وسقا من نوى ، ولعائشة أم المؤمنين مئتي وسق ، ولأبي بكر بن أبي قحافة مئة وسق ، ولعقيل بن أبي طالب مئة وسق وأربعين وسقا ، ولبني جعفر خمسين وسقا ، ولربيعة بن الحارث مئة وسق ، وللصلت بن مخرمة وابنيه مئة وسق ، للصلت منها أربعون وسقا ، ولأبي نبقة خمسين وسقا ، ولركانة بن عبد يزيد خمسين وسقا ، ولقيس بن مخرمة ثلاثين وسقا ، ولأبي القاسم بن مخرمة أربعين وسقا ، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنة الحصين بن الحارث مئة وسق ، ولبني عبيد بن عبد يزيد ستين وسقا ، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقا .

            ولمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقا ، ولأم رميثة أربعين وسقا . ولنعيم بن هند ثلاثين وسقا ، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقا ولعجير بن عبد يزيد ثلاثين وسقا ، ولأم حكيم ( بنت الزبين بن عبد المطلب ) ثلاثين وسقا ، ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقا ، ولابن الأرقم خمسين وسقا ، ولعبد الرحمن بن أبي بكر أربعين وسقا ، ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقا ، ولأم الزبير أربعين وسقا ، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقا ، ولابن أبي خنيس ثلاثين وسقا ، ولأم طالب أربعين وسقا ، ولأبي بصرة عشرين وسقا ، ولنميلة الكلبي خمسين وسقا ، ولعبد الله بن وهب وابنتيه تسعين وسقا ، لابنيه منها أربعين وسقا ، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقا ، ولملكو بن عبدة ثلاثين وسقا ، ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبع مئة وسق .

            قال ابن هشام : قمح وشعير وتمر ونوى وغير ذلك ، قسمه على قدر حاجتهم وكانت الحاجة في بني عبد المطلب أكثر ، ولهذا أعطاهم أكثر . وروى أبو داود عن سهل بن أبي خيثمة - بخاء معجمة ، فثاء مثلثة ساكنة - رضي الله عنه - قال : قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر نصفين ، نصفا لنوائبه وخاصته ، ونصفا بين المسلمين ، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما .

            روي أيضا عن بشير - بضم الموحدة - بن يسار - رحمه الله - تعالى عن رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما ، جمع كل سهم مائة سهم ، فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين النصف من ذلك ، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس ، زاد في رواية أخرى عنه مرسلة بين فيها نصف النوائب : الوطيح والكتيبة وما حيز معهما زاد في رواية والسلالم ، وعزل النصف الآخر الشق والنطاة وما حيز معهما ، وكان سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما حيز معهما كسهم أحدهم .

            قال البيهقي : وهذا لأن خيبر فتح شطرها عنوة وشطرها صلحا ، فقسم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين ، وعزل ما فتح صلحا لنوائبه وما يحتاج إليه من أمور المسلمين .

            قلت : وهذا بناء منه على أصل الشافعي رحمه الله ، أنه يجب قسم الأرض المفتتحة عنوة كما تقسم سائر المغانم ، فلما لم يجده قسم النصف من خيبر ، قال : إنه فتح صلحا . ومن تأمل السير والمغازي حق التأمل تبين له أن خيبر إنما فتحت عنوة ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استولى على أرضها كلها بالسيف عنوة ، ولو فتح شيء منها صلحا لم يجلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ؛ فإنه لما عزم على إخراجهم منها قالوا : نحن أعلم بالأرض منكم ، دعونا نكون فيها ونعمرها لكم بشطر ما يخرج منها . وهذا صريح جدا في أنها إنما فتحت عنوة ، وقد حصل بين اليهود والمسلمين بها من الحراب والمبارزة والقتل من الفريقين ما هو معلوم ، ولكن لما ألجئوا إلى حصنهم نزلوا على الصلح الذي بذلوه ، أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء ، والحلقة والسلاح ، ولهم رقابهم وذريتهم ، ويجلوا من الأرض ، فهذا كان الصلح ، ولم يقع بينهم صلح أن شيئا من أرض خيبر لليهود ، ولا جرى ذلك البتة ، ولو كان كذلك لم يقل : نقركم ما شئنا ، فكيف يقرهم في أرضهم ما شاء ؟ ولما كان عمر أجلاهم كلهم من الأرض ، ولم يصالحهم أيضا على أن الأرض للمسلمين ، وعليها خراج يؤخذ منهم ، هذا لم يقع ، فإنه لم يضرب على خيبر خراجا البتة .

            فالصواب الذي لا شك فيه أنها فتحت عنوة ، ورد على من قال فتحت صلحا ، قال : وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا ، بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم ، وهو ضرب من الصلح ، لكنه لم يقع ذلك إلا بحصار ، وقتال ، قال الحافظ - رحمه الله تعالى : والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل أهل خيبر ، فغلب على النخل فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة ، ولهم ما حملت ركابهم ، على ألا يكتموا ولا يغيبوا الحديث . وفي آخره :

            فسبى نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا ، وأراد أن يجليهم ، فقالوا : دعنا في هذه الأرض نصلحها . . الحديث ، ورواه أبو داود والبيهقي وغيرهما ، وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي عن عروة . فعلى هذا كان وقع الصلح ، ثم حصل النقض منهم فزال أمر الصلح ، ثم من عليهم بترك القتل وإبقائهم عمالا بالأرض ، ليس لهم فيها ملك ، ولذلك

            أجلاهم عمر ، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها .

            وجنح غير واحد من العلماء إلى أن بعضها فتح عنوة ، وبعضها فتح صلحا والإمام مخير في أرض العنوة بين قسمها ووقفها ، أو قسم بعضها ووقف البعض ، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة ، فقسم قريظة والنضير ولم يقسم مكة ، وقسم شطر خيبر وترك شطرها ، وقد تقدم تقرير كون مكة فتحت عنوة بما لا مدفع له .

            وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم ؛ لأنها كانت طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، وكان معهم مائتا فرس ، لكل فرس سهمان ، فقسمت على ألف وثمانمائة سهم ، وقسم للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهما ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، وفيهم مائتا فارس ، هذا هو الصحيح الذي لا ريب فيه .

            وروى عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر أنه ( أعطى الفارس سهمين والراجل سهما )

            قال الشافعي رحمه الله : كأنه سمع نافعا يقول : للفرس سهمين ، وللراجل سهما ، فقال : للفارس ، وليس يشك أحد من أهل العلم في تقدم عبيد الله بن عمر على أخيه في الحفظ ، وقد أنبأنا الثقة من أصحابنا عن إسحاق الأزرق الواسطي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ضرب للفرس بسهمين وللفارس بسهم ) .

            ثم روى من حديث أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للفارس ثلاثة أسهم : سهم له ، وسهمان لفرسه ) ، وهو في " الصحيحين " ، وكذلك رواه الثوري وأبو أسامة عن عبيد الله .

            قال الشافعي رحمه الله : وروى مجمع بن جارية أن النبي صلى الله عليه وسلم ( قسم سهام خيبر على ثمانية عشر سهما ، وكان الجيش ألفا وخمسمائة ، منهم ثلاثمائة فارس ، فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما )

            قال الشافعي رحمه الله : ومجمع بن يعقوب - يعني راوي هذا الحديث عن أبيه عن عمه عبد الرحمن بن يزيد ، عن عمه مجمع بن جارية - شيخ لا يعرف ، فأخذنا في ذلك بحديث عبيد الله ، ولم نر له مثله خبرا يعارضه ، ولا يجوز رد خبر إلا بخبر مثله .

            قال البيهقي : والذي رواه مجمع بن يعقوب بإسناده في عدد الجيش وعدد الفرسان قد خولف فيه ؛ ففي رواية جابر وأهل المغازي : أنهم كانوا ألفا وأربعمائة ، وهم أهل الحديبية ، وفي رواية ابن عباس وصالح بن كيسان وبشير بن يسار وأهل المغازي : أن الخيل كانت مائتي فرس ، وكان للفرس سهمان ، ولصاحبه سهم ، ولكل راجل سهم .

            وقال أبو داود : حديث أبي معاوية أصح ، والعمل عليه ، وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال : ثلاثمائة فارس ، وإنما كانوا مائتي فارس .

            وقد روى أبو داود أيضا من حديث أبي عمرة ، عن أبيه قال : ( أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر ، ومعنا فرس ، فأعطى كل إنسان منا سهما ، وأعطى الفرس سهمين ) ، وهذا الحديث في إسناده عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود ، وهو المسعودي ، وفيه ضعف . وقد روي الحديث عنه على وجه آخر ، فقال : ( أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر معنا فرس ، فكان للفارس ثلاثة أسهم ) . ذكره أبو داود أيضا . قال ابن إسحاق - رحمه الله - تعالى - : وكان المتولي للقسمة بخيبر جبار - بفتح الجيم ، وتشديد الموحدة وبالراء المهملة - ابن صخر الأنصاري من بني سلمة - بكسر اللام ، وزيد بن ثابت من بني النجار ، وكانا حاسبين قاسمين .

            وقال ابن سعد - رحمه الله - تعالى - أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغنائم فجمعت ، واستعمل عليها فروة بن عمرو البياضي ، ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء ، وكتب في سهم منها ، الله ، وسائر السهمان أغفال ، وكان أول ما خرج سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتحيز في الأخماس ، فأمر ببيع الأربعة الأخماس فيمن يريد ، فباعها فروة ، وقسم ذلك بين أصحابه وكان الذي ولي إحصاء الناس ، زيد ابن ثابت فأحصاهم ألفا وأربعمائة ، والخيل مائتي فرس ، وكانت السهمان على ثمانية عشر سهما ، لكل مائة سهم ، وللخيل أربعمائة سهم ، وكان الخمس الذي صار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي منه ما أراه الله من السلاح والكسوة ، وأعطى منه أهل بيته ، ورجالا من بني المطلب ، ونساء ، واليتيم والسائل .

            ثم ذكر قدوم الدوسيين والأشعريين وأصحاب السفينتين ، وأخذهم من غنائم خيبر ، ولم يبين كيف أخذوا .

            قال في العيون : وإذا كانت القسمة على ألف وثمانمائة سهم وأهل الحديبية ألف وأربعمائة ، والخيل مائتي فرس بأربعمائة سهم ، فما الذي أخذه هؤلاء المذكورون ؟

            وما ذكره ابن إسحاق من أن المقاسم كانت على الشق ، والنطاة والكتيبة أشبه ، فإن هذه المواضع الثلاثة مفتوحة بالسيف عنوة من غير صلح ، وأما الوطيح والسلالم فقد يكون ذلك هو الذي اصطفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ينوب المسلمين ، ويترجح حينئذ قول موسى بن عقبة ومن قال بقوله : إن بعض خيبر كان صلحا ، ويكون أخذ الأشعريين ومن ذكر معهم من ذلك ، ويكون مشاورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الحديبية في إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شيء من حقهم ، وإنما هي المشورة العامة ، وشاورهم في الأمر [آل عمران 159] .

            روى الشيخان عن عبد الله بن مغفل - بضم الميم ، وفتح الغين المعجمة ، والفاء المشددة ، وباللام - رضي الله عنه - قال أصبت جرابا ، وفي لفظ : دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته ، وقلت : لا أعطي أحدا منه شيئا ، فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستحييت منه ، وحملته على عنقي إلى رحلي وأصحابي فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته وقال : هلم حتى نقسمه بين المسلمين ، قلت : لا والله لا أعطيك ، فجعل يجاذبني الجراب ، فرآنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصنع ذلك ، فتبسم ضاحكا ، ثم قال لصاحب المغانم : «لا أبا لك ، خل بينه وبينه» فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي ، فأكلناه . وقد استدل الجمهور بهذا الحديث على الإمام مالك في تحريمه شحوم ذبائح اليهود - ما كان حراما عليهم - على غيرهم من المسلمين ؛ لأن الله تعالى قال : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ( المائدة : 5 ) قال : لكم . قال : وليس هذا من طعامهم . فاستدلوا عليه بهذا الحديث ، وفيه نظر ، وقد يكون هذا الشحم مما كان حلالا لهم . والله أعلم . وقد استدلوا بهذا الحديث على أن الطعام لا يخمس .

            ويعضد ذلك ما رواه الإمام أبو داود : حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا أبو إسحاق الشيباني ، عن محمد بن أبي مجالد ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قلت : هل كنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أصبنا طعاما يوم خيبر ، فكان الرجل يجيء ، فيأخذ منه قدر ما يكفيه ، ثم ينصرف . تفرد به أبو داود ، وهو حسن .

            قال ابن إسحاق : وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن لقيم - بضم اللام ، قال الحاكم : واسمه عيسى العبسي - بموحدة - حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة وداجن . قال ابن هشام : وفي يوم خيبر عرب رسول الله صلى الله عليه وسلم العربي من الخيل ، وهجن الهجين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية