الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم كانت وقعة أليس في صفر أيضا ، وذلك أن خالدا كان قد قتل يوم الولجة طائفة من بكر بن وائل ، من نصارى العرب ممن كان مع الفرس ، فاجتمع عشائرهم ، وأشدهم حنقا عبد الأسود العجلي ، وكان قد قتل له ابن بالأمس ، فكاتبوا الأعاجم فأرسل إليهم أردشير جيشا مددا ، فاجتمعوا بمكان يقال له : أليس . فبينما هم قد نصبوا لهم سماطا فيه طعام يريدون أكله ، إذ غافلهم خالد بجيشه ، فلما رأوه أشار من أشار منهم بأكل الطعام وعدم الاعتناء بخالد ، وقال أمير كسرى ، واسمه جابان : بل ننهض إليه . فلم يسمعوا منه . فلما نزل خالد تقدم بين يدي جيشه ونادى بأعلى صوته لشجعان من هنالك من الأعراب : أين فلان ، أين فلان ؟ فكلهم نكلوا عنه إلا رجلا يقال له : مالك بن قيس ، من بني جذرة ، فإنه برز إليه ، فقال له خالد : يا ابن الخبيثة ، ما جرأك علي من بينهم وليس فيك وفاء ؟ ! فضربه فقتله . ونفرت الأعاجم عن الطعام ، وقاموا إلى السلاح ، فاقتتلوا قتالا شديدا جدا ، والمشركون يرقبون قدوم بهمن مددا من جهة الملك إليهم ، فهم في قوة وشدة وكلب في القتال ، وصبر المسلمون صبرا بليغا ، وقال خالد : اللهم لك علي إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم . ثم إن الله ، عز وجل ، منح المسلمين أكتافهم ، فنادى منادي خالد : الأسر ، الأسر ، لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر . فأقبلت الخيول بهم أفواجا يساقون سوقا ، وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر ، ففعل ذلك بهم خالد يوما وليلة ، ويطلبهم في الغد ومن بعد الغد ، وكلما حضر منهم أحد ضربت عنقه في النهر ، وقد صرف ماء النهر إلى موضع آخر ، فقال له بعض الأمراء : إن النهر لا يجري بدمائهم حتى ترسل الماء على الدم فيجري معه ، فتبر يمينك . فأرسله فسال النهر دما عبيطا ، فلذلك سمي نهر الدم ، إلى اليوم ، فدارت الطواحين بذلك الماء المختلط بالدم العبيط ما كفى العسكر بكماله ثلاثة أيام ، وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا ، ولما هزم خالد الجيش ورجع من رجع من الناس ، عدل خالد إلى الطعام الذي كانوا قد وضعوه ليأكلوه ، فقال للمسلمين : هذا نفل فانزلوا فكلوا . فنزل الناس فأكلوا عشاء . وقد جعل الأعاجم على طعامهم جردقا كثيرا ، فجعل من يراه من أهل البادية من الأعراب يقولون : ما هذه الرقع ؟ يحسبونها ثيابا . فيقول لهم من يعرف ذلك من أهل الأرياف والمدن : أما سمعتم برقيق العيش ؟ قالوا : بلى . قالوا : فهذا رقيق العيش . فسموه يومئذ رقاقا ، وإنما كانت العرب تسميه القرن .

            وقد قال سيف بن عمر عن عمرو بن محمد ، عن الشعبي ، عمن حدث عن خالد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الناس يوم خيبر الخبز والطبيخ والشواء وما أكلوا غير ذلك ، غير متأثليه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية