الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            انتقال إمرة الشام من خالد إلى أبي عبيدة في الدولة العمرية وذلك بعد وقعة اليرموك وصيرورة الإمرة بالشام إلى أبي عبيدة فكان أبو عبيدة أول من سمي أمير الأمراء . فلما ولي عمر كان أول ما تكلم به أن عزل خالدا ، وقال : لا يلي لي عملا أبدا . وقد أمر عمر على الجيوش أبا عبيدة .

            وذكر سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، أن عمر إنما عزل خالدا لكلام بلغه عنه ، ولما كان من أمر مالك بن نويرة ، وما كان يعتمده في حربه ، وكتب عمر إلى أبي عبيدة : إن أكذب خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه ، وإن لم يكذب نفسه فهو معزول ، فانزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله نصفين . فلما قال أبو عبيدة ذلك لخالد قال له خالد : أمهلني حتى أستشير أختي ، فذهب إلى أخته فاطمة ، وكانت تحت الحارث بن هشام ، فاستشارها في ذلك فقالت له : إن عمر لا يحبك أبدا ، وإنه سيعزلك وإن أكذبت نفسك . فقال لها : صدقت والله . فقاسمه أبو عبيدة حتى أخذ إحدى نعليه وترك له الآخر ، وخالد يقول : سمعا وطاعة لأمير المؤمنين .

            ثم قدم خالد على عمر بالمدينة . وقيل : بل هو أقام بالشام مع المسلمين . وهو أصح . وصية عمر لعماله وتعاهده إياهم وصيته لعماله وتعاهده إياهم روى ابن جرير ، عن صالح بن كيسان أنه قال : كان أول كتاب كتبه عمر إلى أبي عبيدة حين ولاه وعزل خالدا ، أن قال : وأوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه ، الذي هدانا من الضلالة ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد ، فقم بأمرهم الذي يحق عليك ، لا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة ، ولا تنزلهم منزلا قبل أن تستريده لهم ، وتعلم كيف مأتاه ، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس ، وإياك وإلقاء المسلمين في الهلكة ، وقد أبلاك الله بي وأبلاني بك ، فغض بصرك عن الدنيا ، وأله قلبك عنها ، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك ، فقد رأيت مصارعهم . وأمرهم بالمسير إلى دمشق ، وذلك بعدما بلغه الخبر بفتح اليرموك وجاءته به البشارة ، وحمل الخمس إليه .

            وقد ذكر ابن إسحاق أن الصحابة قاتلوا بعد اليرموك بأجنادين ، ثم بفحل من أرض الغور قريبا من بيسان بمكان يقال له : الردغة . سمي بذلك لكثرة ما لقوا من الأوحال فيها ، ثم لما فرت الروم من هذه الوقعة ألجأوهم إلى دمشق ، فقصدوهم فيها فأغلقوها عليهم ، وأحاط بها الصحابة . قال : وحينئذ جاءت الإمارة لأبي عبيدة من جهة عمر ، وعزل خالد . وهذا الذي ذكره ابن إسحاق من مجيء الإمارة لأبي عبيدة في حصار دمشق هو المشهور .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية