رضي الله عنه وأرضاه . خلافة عمر بن الخطاب ،
كانت . ودفن من ليلته ، وذلك لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ، بعد مرض خمسة عشر يوما . وكان عمر بن الخطاب يصلي عنه فيها بالمسلمين ، وفاة الصديق ، رضي الله عنه ، في يوم الاثنين عشية . وقيل : بعد المغرب ، فلقد دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر . فقال : إنه أفضل من رأيك إلا أنه فيه غلظة . فقال أبو بكر : ذلك لأنه يراني رقيقا ، ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيرا مما هو عليه ، وقد رمقته فكنت إذا غضبت على رجل أراني الرضاء عنه ، وإذا لنت له أراني الشدة عليه . ودعا عثمان بن عفان وقال له : أخبرني عن عمر . فقال : سريرته خير من علانيته ، وليس فينا مثله . فقال أبو بكر لهما : لا تذكرا مما قلت لكما شيئا ، ولو تركته ما عدوت عثمان ، والخيرة له أن لا يلي من أموركم شيئا ، ولوددت أني كنت من أموركم خلوا ، وكنت فيمن مضى من سلفكم . وفي أثناء هذا المرض عهد بالأمر من بعده إلى عمر بن الخطاب
وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن الحضير، وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخير بعدك، يرضى للرضا ويسخط للسخط، الذي يسر خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه. ودخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال : استخلفت على الناس عمر وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، وكيف به إذا خلا بهم وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك ! فقال أبو بكر : أجلسوني ، فأجلسوه ، فقال : أبالله تخوفني ! إذا لقيت ربي فسألني قلت : استخلفت على أهلك خير أهلك .
ثم إن أبا بكر أحضر عثمان بن عفان خاليا ليكتب عهد عمر ، فقال له : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين ، أما بعد 000 - ثم أغمي عليه - فكتب عثمان : أما بعد ، فإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، ولم آلكم خيرا . ثم أفاق أبو بكر فقال : اقرأ علي . فقرأ عليه ، فكبر أبو بكر وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي . قال : نعم . قال : جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله .
فلما كتب العهد أمر به أن يقرأ على الناس ، فجمعهم وأرسل الكتاب مع مولى له ومعه عمر ، فكان عمر يقول للناس : أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يألكم نصحا . فسكن الناس ، فلما قرئ عليهم الكتاب سمعوا وأطاعوا ، وكان أبو بكر أشرف على الناس وقال : أترضون بمن استخلفت عليكم ؟ فإني ما استخلفت عليكم ذا قرابة ، وإني قد استخلفت عليكم عمر فاسمعوا له وأطيعوا ، فإني والله ما ألوت من جهد الرأي . فقالوا : سمعنا وأطعنا . ثم أحضر أبو بكر عمر فقال له : إني قد استخلفتك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوصاه بتقوى الله ، ثم قال : يا عمر ، إن لله حقا بالليل لا يقبله في النهار ، وحقا في النهار لا يقبله بالليل ، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة ، ألم تر يا عمر أنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق وثقله عليهم ، وحق لميزان لا يوضع فيه غدا إلا حق أن يكون ثقيلا . ألم تر يا عمر أنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم ، وحق لميزان لا يوضع فيه غدا إلا باطل أن يكون خفيفا . ألم تر يا عمر أنما نزلت آية الرخاء مع آية الشدة ، وآية الشدة مع آية الرخاء ؛ ليكون المؤمن راغبا راهبا ، لا يرغب رغبة يتمنى فيها على الله ما ليس له ، ولا يرهب رهبة يلقى فيها بيديه . أولم تر يا عمر أنما ذكر الله أهل النار بأسوأ أعمالهم ، فإذا ذكرتهم قلت : إني لأرجو أن لا أكون منهم ، وأنه إنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم ؛ لأنه يجاوز لهم ما كان من سيئ ، فإذا ذكرتهم قلت أين عملي من أعمالهم ؟ فإن حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من حاضر من الموت ، ولست بمعجزه . ثم خرج عمر من عنده، فرفع أبو بكر يديه فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم بما أنت أعلم به، واجتهدت لهم رأيي، فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر، فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح لهم ولاتهم، واجعله من خلفائك الراشدين، وأصلح له رعيته).
وأخرج ابن سعد والحاكم عن ابن مسعود، قال: (أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر حين استخلف عمر، وصاحبة موسى حين قالت: استأجره، والعزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته: أكرمي مثواه). وتوفي أبو بكر ، فلما دفن صعد عمر بن الخطاب فخطب الناس ثم قال : إنما مثل العرب مثل جمل أنف اتبع قائده ، فلينظر قائده حيث يقوده ، وأما أنا فورب الكعبة لأحملنكم على الطريق ! وقام عمر بالأمر من بعده أتم القيام ، رضي الله عنه ، وهو ، وكان أول من حياه بها المغيرة بن شعبة ، وقيل : غيره . أول من سمي بأمير المؤمنين
وعن أبي عثمان] بن مكنف ، قال: سلم على عمر في صدر إمارته: يا خليفة خليفة رسول الله فجمع الناس بعد ، وقال: إني أراكم لمن بعدكم خير من رأيهم لأنفسهم ، وإني أخاف أن يلحدوا في هذا الاسم ، أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فقالوا: يا أمير المؤمنين ، فقبلت . وقد كتب بوفاة الصديق إلى أمراء الشام مع شداد بن أوس ، ومحمية بن جزء ، فوصلا والناس مصافون جيوش الروم يوم اليرموك .