سار أبو عبيد الثقفي ، وسعد بن عبيد وسليط بن قيس الأنصاريان ، والمثنى بن حارثة الشيباني أحد بني هند من المدينة ، وأمر عمر المثنى بالتقدم إلى أن يقدم عليه أصحابه ، وأمرهم باستنفار من حسن إسلامه من أهل الردة . ففعلوا ذلك ، وسار المثنى فقدم الحيرة ، وكانت الفرس تشاغلت عن المسلمين بموت شهريران حتى اصطلحوا على بوران ، وكانت عدلا بين الناس حتى يصطلحوا
ثم قدم المثنى إلى الحيرة في عشر ، وقدم أبو عبيد بعده بشهر . فكتب رستم إلى الدهاقين أن يثوروا بالمسلمين ، وبعث في كل رستاق رجلا يثور بأهله وبعث رستم أميرا يقال له : جابان . وعلى مجنبتيه رجلان يقال لأحدهما : جشنس ماه . ويقال للآخر : مردان شاه . وهو حصي أمير حاجب الفرس ، فالتقوا مع أبي عبيد بمكان يقال له : النمارق . بين الحيرة والقادسية ، وعلى الخيل المثنى بن حارثة ، وعلى الميسرة عمرو بن الهيثم ، فاقتتلوا هنالك قتالا شديدا ، وهزم الله الفرس ، وأسر جابان ومردان شاه . فأما مردان شاه فإنه قتله الذي أسره ، وأما جابان فإنه خدع الذي أسره حتى أطلقه ، فأمسكه المسلمون وأبوا أن يطلقوه ، وقالوا : إن هذا هو الأمير . وجاءوا به إلى أبي عبيد ، فقالوا : اقتله ، فإنه الأمير . فقال : وإن كان الأمير ، فإني لا أقتله وقد أمنه رجل من المسلمين . السقاطية بكسكر]
ولما انهزمت فارس [أخذوا] نحو كسكر ليلحقوا نرسي - وهو ابن خالة كسرى - وكانت كسكر قطيعة له ، نادى أبو عبيد بالرحيل ، وقال للمجردة: اتبعوهم حتى تدخلوهم عسكر نرسي ، أو تبيدوهم [فيما بين النمارق إلى بارق إلى درتا] . فوازرهم نرسي على قتال أبي عبيد ، فقهرهم أبو عبيد ، وغنم منهم شيئا كثيرا وأطعمات كثيرة جدا ، ولله الحمد . وبعث بخمس ما غنم من المال والطعام إلى عمر بن الخطاب بالمدينة ، وقد قال في ذلك رجل من المسلمين :
لعمري وما عمري علي بهين لقد صبحت بالخزي أهل النمارق بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم
يجوسونهم ما بين درتا وبارق قتلناهم ما بين
مرج مسلح وبين الهوافي من طريق البذارق