الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            اجتماع الفرس على يزدجرد بعد اختلافهم واضطرابهم لما رأى أهل فارس ما يفعل المسلمون بالسواد قالوا لرستم والفيرزان ، وهما على أهل فارس : لم يبرح بكما الاختلاف حتى وهنتما أهل فارس ، وأطمعتما فيهم عدوهم ، ولم يبلغ من أمركما أن نقركما على هذا الرأي ، وأن تعرضاها للهلكة ، ما بعد بغداد وساباط وتكريت إلا المدائن ، والله لتجتمعان أو لنبدأن بكما ، ثم نهلك وقد اشتفينا منكما . فقال الفيرزان ورستم لبوران ابنة كسرى : اكتبي لنا نساء كسرى وسراريه ونساء آل كسرى وسراريهم ، ففعلت ، فأحضروهن جميعهن ، وأخذوهن بالعذاب يستدلونهن على ذكر من أبناء كسرى ، فلم يوجد عند واحدة منهن أحد ، وقال بعضهن : لم يبق إلا غلام يدعى يزدجرد من ولد شهريار بن كسرى ، وأمه من أهل بادوريا .

            فأرسلوا إليها وطلبوه منها ، وكانت قد أنزلته أيام شيرى حين جمعهن فقتل الذكور ، وأرسلته إلى أخواله ، فلما سألوها عنه دلتهم عليه ، فجاءوا به فملكوه وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وهو من ولد شهريار بن كسرى ، وعزلوا بوران ، واستوسقت الممالك له ، واجتمعوا عليه وفرحوا به ، وقاموا بين يديه بالنصر أتم قيام ، واستفحل أمره فيهم ، وقويت شوكتهم به ، وبعثوا إلى الأقاليم والرساتيق ، فخلعوا الطاعة للصحابة ونقضوا عهودهم وذممهم ، وبلغ ذلك من أمرهم المثنى والمسلمين ، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب بما ينتظرون من أهل السواد ، فلم يصل الكتاب إلى عمر حتى كفر أهل السواد من كان له عهد ومن لم يكن له عهد ، فخرج المثنى حتى نزل بذي قار ، ونزل الناس بالطف في عسكر واحد . ولما وصل كتاب المثنى إلى عمر قال : والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب ! فلم يدع رئيسا ولا ذا رأي وذا شرف وبسطة ولا خطيبا ولا شاعرا إلا رماهم به ، فرماهم بوجوه الناس وغررهم . وكتب عمر إلى المثنى ومن معه يأمرهم بالخروج من بين العجم والتفرق في المياه التي تلي العجم ، وأن لا يدعوا في ربيعة ومضر وحلفائهم أحدا من أهل النجدات ولا فارسا إلا أحضروه إما طوعا أو كرها . ونزل الناس بالجل وشراف إلى غضي ، وهو جبل البصرة ، وبسلمان ، بعضهم ينظر إلى بعض ، ويغيث بعضهم بعضا ، وذلك في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة .

            وأرسل عمر في ذي الحجة من السنة مخرجه إلى الحج إلى عماله على العرب أن لا يدعوا من له نجدة أو فرس أو سلاح أو رأي إلا وجهوه إليه ، فأما من كان على النصف ما بين المدينة والعراق فجاء إليه بالمدينة لما عاد من الحج ، وأما من كان أقرب إلى العراق فانضم إلى المثنى بن حارثة ، وجاءت أمداد العرب إلى عمر .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية