الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فتح أذربيجان

            على يدي عتبة

            وكتب لهم كتاب أمان قال الواقدي وأبو معشر : كانت في سنة ثنتين وعشرين . وقال سيف : كانت في سنة ثماني عشرة بعد فتح همذان والري وجرجان . وأبو معشر يقول بأن أذربيجان كانت بعد هذه البلدان ، ولكن عنده أن الجميع كان في هذه السنة . وعند الواقدي أن فتح همذان والري كان في سنة ثلاث وعشرين ؛ فهمذان افتتحها المغيرة بعد مقتل عمر بستة أشهر ، قال : ويقال : كان فتح الري قبل وفاة عمر بسنتين . إلا أن الواقدي وأبا معشر متفقان على أن أذربيجان في هذه السنة ، وتبعهما ابن جرير وغيره . لما افتتح نعيم بن مقرن همذان ثم الري ، وكان قد بعث بين يديه بكير بن عبد الله من همذان إلى أذربيجان ، وأردفه بسماك بن خرشة ، فلقي إسفندياذ بن الفرخزاذ بكيرا وأصحابه ، قبل أن يقدم عليهم سماك ، فاقتتلوا فهزم الله المشركين ، وأسر بكير إسفندياذ ، فقال له إسفندياذ : الصلح أحب إليك أم الحرب ؟ فقال : بل الصلح . قال : فأمسكني عندك . فأمسكه ، ثم جعل يفتح بلدا بلدا ، وعتبة بن فرقد أيضا يفتح معه بلدا بلدا في مقابلته من الجانب الآخر . ثم جاء كتاب عمر ، بأن يتقدم بكير إلى الباب ، وجعل سماك موضعه نائبا لعتبة بن فرقد . وجمع عمر أذربيجان كلها لعتبة بن فرقد ، وسلم إليه بكير إسفندياذ ، وصار كما أمره عمر إلى الباب . قالوا : وقد كان اعترض بهرام بن فرخزاذ لعتبة بن فرقد ، فهزمه عتبة وهرب بهرام ، فلما بلغ ذلك إسفندياذ وهو في الأسر عند بكير قال : الآن تم الصلح وطفئت الحرب . فصالحه فأجاب إلى ذلك كلهم ، وعادت أذربيجان سلما ، وكتب بذلك عتبة وبكير إلى عمر ، وبعثوا بالأخماس إليه ، وكتب عتبة - حين انتهت إليه إمرة أذربيجان - لأهلها كتاب أمان وصلح . وقيل فتحت أذربيجان على يدي المغيرة بن شعبة . قاله ابن إسحاق . فيقال : إنه صالحهم على ثمانمائة ألف درهم . وقال أبو عبيدة : فتحها حبيب بن مسلمة الفهري بأهل الشام عنوة ، ومعه أهل الكوفة ؛ فيهم حذيفة فافتتحها بعد قتال شديد . والله أعلم . وفي هذه الغزاة: بعث عتبة إلى عمر رضي الله عنه بخبيص أهداه إليه .

            فعن عتبة بن فرقد ، قال: قدمت على عمر رضي الله عنه بسلال من خبيص ، فشهدت غداه ، فأتى بجفنة من ثريد ، فأخذ وأخذنا ، فجعلت أرى عليه الشيء أحبسه سناما ، فإذا لكته وجدته عليا ، فأتطلب غفلته حتى أجعله بين الخوان والقصعة ففعلت ذلك مرارا ، وكففت . ثم دعي بعس من عساس العرب فيه نبيذ شديد ، فشرب ثم ناولني فلم أطقه ، ثم قال: نأكل من هذا اللحم ، ونشرب عليه من هذا النبيذ الشديد فيقطعه في بطوننا ، إنا لننحر للمسلمين الجزور فنطعم المسلمين أطائبها ، ويأكل عمر وآل عمر عنقها ، فقلت له: إنك مشغول بحوائج المسلمين وقد أهديت لك طعاما يعصمك ويقويك ، قال: فاعرضه علي ، قال: فأديت له تلك السلال وكشفت له عنها ، فقال: أقسمت عليك ، لما لم تدع أحدا من المسلمين إلا أهديت له مثل هذا ، فقلت: يا أمير المؤمنين ، والله لو جمع مال قيس بن عيلان ما وسع لذاك ، فقال: ضم هديتك إليك ، فإنه لا حاجة لي في شيء لا يشبع المسلمين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية