الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فتح فسا ودارابجرد وقصة سارية بن زنيم

            وذلك سنة ثلاث وعشرين قال سيف عن مشايخه أن سارية بن زنيم قصد فسا ودارابجرد ، فاجتمع له جموع من الفرس والأكراد عظيمة ، ودهم المسلمين منهم أمر عظيم وجمع كثير ، فرأى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في وقت من النهار ، وأنهم في صحراء ، وهناك جبل إن استندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد ، فنادى من الغد : الصلاة جامعة . حتى إذا كانت الساعة التي رأى أنهم اجتمعوا فيها ، خرج إلى الناس وصعد المنبر فخطب الناس وأخبرهم بصفة ما رأى ، ثم قال : يا سارية ، الجبل الجبل ! ثم أقبل عليهم ، وقال : إن لله جنودا ، ولعل بعضها أن يبلغهم . قال : ففعلوا ما قال عمر ، فنصرهم الله على عدوهم ، وفتحوا البلد .

            رواية أخرى للقصة وذكر سيف في رواية أخرى عن شيوخه ، أن عمر بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ قال : يا سارية بن زنيم ، الجبل الجبل ! فلجأ المسلمون إلى جبل هناك ، فلم يقدر العدو عليهم إلا من جهة واحدة ، فأظفرهم الله بهم ، وفتحوا البلد ، وغنموا شيئا كثيرا ، فكان من جملة ذلك سفط من جوهر ، فاستوهبه سارية من المسلمين لعمر ، فلما وصل إليه مع الأخماس ، قدم الرسول بالخمس فوجد عمر قائما في يده عصا ، وهو يطعم المسلمين سماطهم ، فلما رآه عمر قال له : اجلس . ولم يعرفه . فجلس الرجل فأكل مع الناس ، فلما فرغوا انطلق عمر إلى منزله ، وأتبعه الرجل ، فاستأذن فأذن له ، وإذا هو قد وضع له خبز وزيت وملح ، فقال : ادن فكل . قال : فجلست ، فجعل يقول لامرأته : ألا تخرجين يا هذه فتأكلين ؟ فقالت : إني أسمع حس رجل عندك . فقال : أوما ترضين أن يقال : أم كلثوم بنت علي وامرأة عمر ! فقالت : ما أقل غناء ذلك عني . ثم قال للرجل : ادن فكل ، فلو كانت راضية لكان أطيب مما ترى . فأكلا ، فلما فرغا ، قال : أنا رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين . فقال : مرحبا وأهلا . ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته ، ثم سأله عن المسلمين ، ثم سأله عن سارية بن زنيم ، فأخبره ، ثم ذكر له شأن السفط من الجوهر ، فأبى أن يقبله وأمر برده إلى الجند . وقد سأل أهل المدينة رسول سارية عن الفتح فأخبرهم ، فسألوه : هل سمعوا صوتا يوم الوقعة ؟ قال : نعم ، سمعنا قائلا يقول : يا سارية ، الجبل ! وقد كدنا نهلك فلجأنا إليه ففتح الله علينا .



            التالي السابق


            الخدمات العلمية