فتح فسا ودارابجرد وقصة سارية بن زنيم
وذلك سنة ثلاث وعشرين قال سيف عن مشايخه أن سارية بن زنيم قصد فسا ودارابجرد ، فاجتمع له جموع من الفرس والأكراد عظيمة ، ودهم المسلمين منهم أمر عظيم وجمع كثير ، فرأى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في وقت من النهار ، وأنهم في صحراء ، وهناك جبل إن استندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد ، فنادى من الغد : الصلاة جامعة . حتى إذا كانت الساعة التي رأى أنهم اجتمعوا فيها ، خرج إلى الناس وصعد المنبر فخطب الناس وأخبرهم بصفة ما رأى ، ثم قال : يا سارية ، الجبل الجبل ! ثم أقبل عليهم ، وقال : إن لله جنودا ، ولعل بعضها أن يبلغهم . قال : ففعلوا ما قال عمر ، فنصرهم الله على عدوهم ، وفتحوا البلد .
رواية أخرى للقصة وذكر سيف في رواية أخرى عن شيوخه ، أن عمر بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ قال : يا سارية بن زنيم ، الجبل الجبل ! فلجأ المسلمون إلى جبل هناك ، فلم يقدر العدو عليهم إلا من جهة واحدة ، فأظفرهم الله بهم ، وفتحوا البلد ، وغنموا شيئا كثيرا ، فكان من جملة ذلك سفط من جوهر ، فاستوهبه سارية من المسلمين لعمر ، فلما وصل إليه مع الأخماس ، قدم الرسول بالخمس فوجد عمر قائما في يده عصا ، وهو يطعم المسلمين سماطهم ، فلما رآه عمر قال له : اجلس . ولم يعرفه . فجلس الرجل فأكل مع الناس ، فلما فرغوا انطلق عمر إلى منزله ، وأتبعه الرجل ، فاستأذن فأذن له ، وإذا هو قد وضع له خبز وزيت وملح ، فقال : ادن فكل . قال : فجلست ، فجعل يقول لامرأته : ألا تخرجين يا هذه فتأكلين ؟ فقالت : إني أسمع حس رجل عندك . فقال : أوما ترضين أن يقال : أم كلثوم بنت علي وامرأة عمر ! فقالت : ما أقل غناء ذلك عني . ثم قال للرجل : ادن فكل ، فلو كانت راضية لكان أطيب مما ترى . فأكلا ، فلما فرغا ، قال : أنا رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين . فقال : مرحبا وأهلا . ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته ، ثم سأله عن المسلمين ، ثم سأله عن سارية بن زنيم ، فأخبره ، ثم ذكر له شأن السفط من الجوهر ، فأبى أن يقبله وأمر برده إلى الجند . وقد سأل أهل المدينة رسول سارية عن الفتح فأخبرهم ، فسألوه : هل سمعوا صوتا يوم الوقعة ؟ قال : نعم ، سمعنا قائلا يقول : يا سارية ، الجبل ! وقد كدنا نهلك فلجأنا إليه ففتح الله علينا .