ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين
ففيها كانت وغزوة الأساودة في البحر فيما ذكره الواقدي . وقال أبو معشر : كانت غزوة الصواري سنة أربع وثلاثين . وملخص ذلك فيما ذكره الواقدي وسيف وغيرهما ، أن الشام كان قد جمع نيابته لمعاوية بن أبي سفيان لسنتين مضتا من خلافة عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، وقد أحرزه غاية الحفظ وحمى حوزته ، ومع هذا له في كل سنة غزوة في بلاد الروم في زمن الصيف - ولهذا يسمون هذه الغزوة الصائفة - فيقتلون خلقا ويأسرون آخرين ، ويفتحون حصونا ، ويغنمون أموالا ، ويرعبون الأعداء ، فلما أصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح من أصاب من الفرنج والبربر ببلاد إفريقية والأندلس ، حميت الروم واجتمعت على قسطنطين بن هرقل ، وساروا إلى المسلمين في جمع لم ير مثله منذ كان الإسلام خرجوا في خمسمائة مركب ، وقصدوا عبد الله بن سعد بن أبي سرح في أصحابه من المسلمين الذين ببلاد المغرب . غزوة الصواري ،
فلما تراءى الجمعان بات الروم يقسقسون ويصلبون ، وبات المسلمون يقرءون ويصلون ، فلما أصبحوا صف عبد الله بن سعد أصحابه صفوفا في المراكب ، وأمرهم بذكر الله وتلاوة القرآن . قال بعض من حضر ذلك : فأقبلوا إلينا في أمر لم ير مثله من كثرة المراكب ، وتعداد صواريها ، وكانت الريح لهم وعلينا فأرسينا ثم سكنت الريح عنا ، فقلنا لهم : إن شئتم خرجنا نحن وأنتم إلى البر فمات الأعجل منا ومنكم . قال : فنخروا نخرة رجل واحد وقالوا : الماء الماء . قال : فدنونا منهم وربطنا سفننا بسفنهم . ثم اجتلدنا وإياهم بالسيوف يثب الرجال على الرجال بالسيوف والخناجر ، وضربت الأمواج في عيون تلك السفن حتى ألجأتها إلى الساحل ، وألقت الأمواج جثث الرجال إلى الساحل حتى صارت مثل الجبل العظيم ، وغلب الدم على لون الماء ، وصبر المسلمون يومئذ صبرا لم يعهد مثله قط ، وقتل منهم بشر كثير ومن الروم أضعاف ذلك ، ثم أنزل الله نصره على المسلمين ، فهرب قسطنطين وجيشه - وقد قلوا جدا - وبه جراحات شديدة كثيرة مكث حينا يداوى منها بعد ذلك ، وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري أياما ، ثم رجع مؤيدا منصورا مظفرا .