الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            الحسن بن قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان ، أبو الحسن الحسن بن قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان ، أبو الحسن ، وهو أخو حميد بن قحطبة .

            والحسن أحد قواد الدولة [العباسية ] .

            توفي في هذه السنة وهو ابن أربع وثمانين سنة .

            خلف بن خليفة بن صاعد ، أبو أحمد الأشجعي خلف بن خليفة بن صاعد ، أبو أحمد الأشجعي .

            روى عنه : هشيم ، وقتيبة ، والحسن بن عرفة . وكان ثقة صدوقا ، نزل الكوفة ، ثم انتقل إلى واسط ، ثم تحول إلى بغداد فأقام بها ، حتى توفي في هذه السنة وهو ابن مائة سنة وستة .

            عبد الله بن المبارك ، أبو عبد الرحمن المروزي ، مولى بني حنظلة عبد الله بن المبارك ، أبو عبد الرحمن المروزي ، مولى بني حنظلة   .

            كان أبو تركيا [وكان عبدا لرجل من التجار ] من همذان من بني حنظلة ، وكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع لوالديه ويعظمهم ، وكانت أمه خوارزمية .

            ولد سنة ثماني عشرة ومائة ، وسمع هشام بن عروة ، وإسماعيل بن أبي خالد ، والأعمش ، وسليمان التيمي ، وحميد الطويل ، وابن عون ومالكا ، والثوري ، والأوزاعي ، وغيرهم . وكان من أئمة المسلمين الموصوفين بالحفظ والفقه والعزيمة والزهد والكرم والشجاعة . وله التصانيف الحسان ، والشعر المتضمن للزهد والحكمة ، وكان من أهل الغزو والمرابطة ، وكان ابن عيينة يقول : نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك ، فما رأيت لهم عليه فضلا إلا بصحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم .

            وعن معاذ بن خالد قال : قال إسماعيل بن عياش : ما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد الله بن المبارك ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة ، فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم .

            وعن أبو حاتم الرازي قال : سمعت عبدة بن سليمان يقول : كنا في سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم ، فصادفنا العدو ، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعى إلى البراز ، فخرج إليه رجل فطارده ساعة ، فطعنه فقتله ، ثم خرج آخر فقتله ، ثم خرج آخر فقتله ، ثم دعى إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فقتله ، فازدحم عليه الناس ، فكنت فيمن ازدحم عليه ، فإذا هو يلثم وجهه بكمه ، فأخذت بطرف كمه فمددته ، فإذا هو عبد الله بن المبارك ، فقال : وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا .

            وعن محمد بن جبريل قال : سمعت أبا حسان البصري يقول : سمعت الحسن بن عرفة يقول : قال ابن المبارك : استعرت قلما بأرض الشام ، فذهب علي أن أرده إلى صاحبه ، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي ، فرجعت يا أبا علي إلى [أرض ] الشام حتى رددته على صاحبه .

            وعن أشعث بن شعبة المصيصي قال : قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة [وقدم عبد الله بن المبارك بعده ] فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك ، وتقطعت النعال ، وارتفعت الغبرة ، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب ، فلما رأت الناس قالت : ما هذا ؟ قالوا : عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال له : عبد الله بن المبارك . فقالت : هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بسوط وأعوان .

            وعن نعيم بن حماد قال : حدثنا ابن المبارك قال : قدمت على معمر فسمعت منه وأمرت له بجارية وخمسين دينارا ، ثم ودعته وخرجت ، فلما كنت على مرحلة ذاكرني عنه إنسان بحديث لم أكن سمعته منه فقلت : لم أسمع منه هذا ، فقال : ارجع فإنك منه قريب . فقلت : بعد ما بررته لا أرجع فيكون عليه فيه غضاضة أن أرجع إليه بعد البر ، حدثني أنت عنه . فحدثني عنه .

            قال الحاكم : بسنده سمعت عبد الله بن المبارك يقول . لا أرى لصاحب عشرة آلاف درهم أن يدع الكسب ، فإنه إن لم يفعل لم آمن أن لا يعطف على جاره ولا يوسع على عياله .

            قال الحاكم : بسنده عن محمد بن إبراهيم الحدثي قال : حدثني أبي عن رجل قد سماه كان ينزل عليه عبد الله بن المبارك في بعض ما كان ومعه إخوان له ، فشكى إلي العزبة وأمرني أن أشتري له جارية . قال : فاشتريت له [جارية ] وعرضتها عليه فرضيها ، وقال : ابعث بها إلى المنزل . قال : فأتيت بها أهلي فأقامت حتى حاضت وطهرت ، فأخبرته بذلك فقال لي : ابعث بها الليلة ، فأتيت بناتي فأخبرتهن ، فقمن إليها فمشطنها وهيأنها . قال : فلما صلى العشاء الآخرة وجهتها إليه ، فلما أصبحنا قال للجارية : امضي إلى أهل فلان . قال : فجاءت الجارية فسألتها بناتي وأمهن عن حالها فقالت : ما وضع يده علي ، قال : فغدوت إليه فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، شكوت إلي العزبة ، وأمرتني فاشتريت لك جارية ، وعرضتها عليك فرضيتها ، وقامت بناتي فهيأنها ، وإن أم فلان أخبرتني أنك لم تضع يدك عليها ؟ ! قال : لي يا أبا فلان ، القول ما قلت لك من شدة العزبة ، لكني لما خلوت بها ذكرت إخواني فتذهمت أن أنال شهوة لا ينالوها ، وليس في يميني ما يسعهم أخرج الجارية فبعها .

            وفي معنى هذه الحكاية قول الشاعر :


            وتركي مواساة الأخلاء بالذي تنال يدي ظلم لهم وعقوق     وإني لأستحيي من الناس أن أرى
            بحال اتساع والصديق مضيق



            قال الحاكم : بسنده عن يعقوب [بن إسحاق بن أيوب ] الشيباني يقول : سمعت أبي يحكي عن أبيه قال : كان عبد الله بن المبارك يحج ومعه أحمال وصناديق وخدم كثيرة ، وكان مع بعض خدمه قبجة فلما ارتحلوا من المنزل قدم أثقالهم ، فنظر صاحب القبجة إلى القبجة وهي ميتة ، فألقاها على كناسة ، وبقرب الكناسة باب صغير ، وعبد الله قائم على دابته ، ونظر إلى جويرية تخرج رأسها وترجع لتجد بذلك فرصة لكي لا يراها أحد ، فتغافل عنها عبد الله ، فخرجت في إزارها ليس عليها قميص ولا مقنعة ، فحملت تلك القبجة ، ودخلت الدار تعدو ، فقال عبد الله لغلام له : انزل واقرع هذا الباب . ونزل الغلام وفعل ما أمره به ، فخرجت تلك الجارية ، فسألها عبد الله عن حالها وقصتها وقصة القبجة الميتة ، لماذا حملتها ؟ فقالت : يا أبا عبد الله ، أنا وأخت لي في هذه الحجرة ليس لنا في هذه الدنيا إلا هذا الإزار [الواحد ] وكان والدنا رجلا موسرا [فمات ] فظلمنا وغصبنا على أموالنا ، فبقينا بحال تحل لنا [أكل ] الميتة ، وليس في منزلنا شيء إلا هذا الإزار ، إذا لبسته بقيت أختي عريانة ، فهو كسوتنا وفراشنا ودثارنا . فقال لها عبد الله : ليس لكم قيم ؟ قالت : لا ، والله . فرق لها عبد الله ، ثم قال لغلامه : الحق فرد الأثقال ، فردها ، فسأل وكيله : أين النفقة ؟ فقال : على وسطي . وكان حمل ألف دينار فقال : يا غلام ، عد عشرين دينارا لنفقتنا إلى مرو ، وصب الباقي في إزار هذه الجارية . ففعل الغلام ذلك ، فلما رجع إلى المنزل قيل له : ما ردك ؟ قال : استقبلني ما هو أفضل من الحج . ورجع إلى مرو .

            قال محمد بن المنذر : بسنده عن الحسين بن الحسن يقول : كنا عند ابن المبارك جلوسا ، فجاء سائل فسأله شيئا ، فقال : يا غلام ناوله درهما ، فلما ولى السائل قال له بعض أصحابه : يا أبا عبد الرحمن ، هؤلاء السؤال يتغدون بالشواء والفالوذج ! كان يكفيه قطعة ، فلم أمرت له بدرهم ؟ قال ابن المبارك : يا غلام ، رده ، إنما ظننت أنهم يجيزون بالبقل والخل عند غدائهم ، فأما إذا كان غداؤهم بالشواء والفالوذج فلا بد من عشرة دراهم ، يا غلام ناوله عشرة دراهم .

            وعن سفيان الثوري قال : إني لأجهد أن أكون ثلاثة أيام على حالة يكون عليها ابن المبارك سنة فما أقدر عليه .

            توفي ابن المبارك بهيت ، في رمضان هذه السنة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة .

            عيسى بن أبي جعفر المنصور عيسى بن أبي جعفر المنصور .

            توفي ببغداد في ذي القعدة من هذه السنة .

            علي بن هاشم بن البريد ، أبو الحسن الخزاز علي بن هاشم بن البريد ، أبو الحسن الخزاز .

            الكوفي قدم بغداد ، وحدث بها عن إسماعيل بن أبي خالد ، الأعمش .

            روى عنه : أحمد بن حنبل ، واتفقوا على أنه [كان ] ثقة [ولكن ] كان يتشيع .

            وتوفي في هذه السنة .

            المفضل بن فضالة بن عبيد ، أبو معاوية الرعيني المفضل بن فضالة بن عبيد ، أبو معاوية الرعيني ، ثم القتباني .

            ولد سنة سبع ومائة وولي القضاء بمصر مرتين ، وكان من أهل الدين والفقه والورع ، وإجابة الدعوة ، دعا إلى الله أن يذهب عنه الأمل فأذهبه عنه ، وكاد يختلس عقله ولم يهنئه شيء من الدنيا ، فدعى الله أن يرده إليه ، فرده فرجع إلى حاله .

            قال ابن رمح : كان بيني وبين جار لي مشاجرة في حائط ، فقالت أمي : امض إلى القاضي المفضل بن فضالة فقل له : أمي تقول لك : أحب أن تأتي فتنظر هذه الحائط لنا أو لجارنا ؟ فمضيت فأخبرته ، فقال اجلس لي بعد العصر حتى آتيك . فجلست له ، فأتى فدخل إلى دارنا ثم دخل إلى دار جارنا ، فنظر ثم قال : الحائط لجاركم . ثم انصرف .

            توفي في شوال هذه السنة .

            يعقوب العابد الكوفي يعقوب العابد الكوفي .

            عن منصور بن عمار قال : خرجت ذات ليلة فظننت أني قد أصبحت ، فإذا علي ليل ، فقعدت عند باب صغير ، فإذا بصوت شاب يبكي ويقول : وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ، ولقد عصيتك حين عصيتك ، وما أنا بنكالك جاهل ، ولا بعقوبتك متعرض ، ولا بنظرك مستخف ، ولكن سولت لي نفسي ، وغلبتني شقوتي ، وغرني سترك المرخى علي ، عصيتك حين عصيتك بجهلي ، وخالفتك بجهدي ، فالآن من عذابك من يستنقذني ، وبحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني ؟ واسوأتاه على ما مضى من أيامي في معصية ربي ، يا ويلي كم أتوب وكم أعود ، قد آن لي أن أستحي من ربي .

            قال منصور : فلما سمعت كلامه ، قلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد . . الآية ، فسمعت صوتا واضطرابا شديدا ، فمضيت لحاجتي ، فلما أصبحت رجعت ، وإذا أنا بجنازة على الباب ، وعجوز تذهب وتجيء ، فقلت لها : من الميت ؟ فقالت : اذهب [عني ] لا تجدد علي أحزاني . فقلت : إني رجل غريب . فقالت : هذا ولدي ، مر بنا البارحة رجل - لا جزاه الله خيرا - فقرأ آية فيها ذكر النار ، فلم يزل ولدي يضطرب ويبكي حتى مات .

            قال منصور : هكذا والله صفة الخائفين يا ابن عمار .

            حمزة بن مالك وحمزة بن مالك ، ولي إمرة خراسان في أيام الرشيد .



            وفيها توفي علي بن حمزة أبو الحسن الأسدي ، المعروف بالكسائي ، المقرئ ، النحوي ، بالري ، وقيل : مات سنة ثلاث وثمانين .

            وفيها توفي مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة الشاعر ، وكان مولده سنة خمس ومائة .

            وفيها توفي ( يعقوب بن داود بن عمر بن طهمان ، مولى عبد الله بن خازم السلمي ، وكان ) يعقوب وزير المهدي .

            وهاشم بن البريد .

            ويزيد بن زريع .

            وحفص بن ميسرة الصنعاني من صنعاء دمشق .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية