وقرأ ابن السميفع «تلقونه» بضم التاء والقاف وسكون اللام مضارع ألقى، وعنه «تلقونه» بفتح التاء والقاف وسكون اللام مضارع لقي، وقرأت عائشة رضي الله تعالى عنهما وابن عباس وعيسى وابن يعمر بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف من ولق الكلام كذبه حكاه السرقسطي، وفيه رد على من زعم أن ولق إذا كان بمعنى كذب لا يكون متعديا وهو ظاهر كلام وزيد بن علي ابن سيده وارتضاءه ولذا جعل ذلك من باب الحذف والإيصال والأصل تلقون فيه، وروي عن أبو حيان رضي الله تعالى عنها أنها كانت تقرأ ذلك وتقول: الولق الكذب، وقال عائشة ابن أبي مليكة :
وكانت أعلم بذلك من غيرها لأنه نزل فيها.
وقال : من ولق الحديث أنشأه واخترعه، وقيل: من ولق الكلام دبره، وحكى ابن الأنباري وغيره أن هذه اللفظة مأخوذة من الولق الذي هو الإسراع بالشيء بعد الشيء كعدد في أثر عدد وكلام في أثر كلام ويقال: ناقة ولقى سريعة، ومنه الأولق للمجنون لأن العقل باب من السكون والتماسك والجنون باب من السرعة والتهافت. الطبري
وعن أنه فسر ما في الآية بما ذكر يكون ذلك من باب الحذف والإيصال والأصل تسرعون فيه أو إليه، قرأ ابن جني زيد بن أسلم «تألقونه» بفتح التاء وهمزة ساكنة بعدها لام ساكنة من الألق وهو الكذب. وقرأ وأبو جعفر يعقوب في رواية «تيلقونه» بتاء فوقانية مكسورة بعدها ياء ولام مفتوحة كأنه مضارع ولق بكسر اللام كما قالوا تيجل مضارع وجل، وعن المازني سمعت أمي تقرأ «إذ تثقفونه» من ثقفت الشيء إذا طلبته فأدركته جاء مثقلا ومخففا أي تتصيدون الكلام في الإفك من هاهنا ومن هاهنا. سفيان بن عيينة
وقرئ «تقفونه» من قفاه إذا تبعه أي تتبعونه.
وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم أي تقولون قولا مختصا بالأفواه من غير أن يكون له مصداق ومنشأ في القلوب لأنه ليس تعبيرا عن علم به في قلوبكم فهذا كقوله تعالى: يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم [آل عمران : 167] . وقال ابن المنير: يجوز أن يكون قوله سبحانه: وتقولون بأفواهكم توبيخا كقولك: أتقول ذلك بملء فيك فإن القائل ربما رمز وعرض وربما تشدق جازما كالعالم، وقد قيل هذا في قوله سبحانه: بدت البغضاء من أفواههم [آل عمران : 118] وقال صاحب الفرائد: يمكن أن يقال فائدة ذكر بأفواهكم أن لا يظن أنهم قالوا ذلك بالقلب لأن القول يطلق على غير الصادر من الأفواه كما في قوله تعالى: قالتا أتينا طائعين [فصلت: 11] وقول الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني
[ ص: 120 ] فهو تأكيد لدفع المجاز. وأنت تعلم أن السياق يقتضي الأول وإليه ذهب ، وكان الظاهر وتقولونه بأفواهكم إلا أنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل لما لا يخفى الزمخشري وتحسبونه هينا سهلا لا تبعة له: وهو عند الله عظيم أي والحال أنه عند الله عز وجل أمر عظيم لا يقادر قدره في الوزر واستجرار العذاب، والجملتان الفعليتان معطوفتان على جملة تلقونه داخلتان معها في حيز إذ فيكون قد علق مس العذاب العظيم بتلقي الإفك بألسنتهم والتحدث به من غير روية وفكر وحسبانهم ذلك مما لا يعبأ به وهو عند الله عز وجل عظيم.