كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا استئناف ثالث كأنه لما قيل: إنهم مبتلون باستمرار تجدد خطف الأبصار فهم منه أنهم مشغولون بفعل ما يحتاج إلى الإبصار ساعة فساعة، وإلا لغطوها كما سدوا الآذان، فسئل وقيل : ما يفعلون في حالتي وميض البرق وعدمه؟ فأجيب: بأنهم حراص على المشي كلما أضاء لهم اغتنموه، ومشوا، وإذا أظلم عليهم توقفوا مترصدين، وكلما في هذه الآية وأمثالها منصوبة على الظرفية، وناصبها (ما) هو جواب معنى، و(ما) حرف مصدري أو اسم نكرة بمعنى وقت، فالجملة بعدها صلة أو صفة، وجعلت شرطا لما فيها من معناه، وهي لتقدير ما بعدها بنكرة تفيد عموما بدليا، ولهذا أفادت كلما التكرار، كما صرح به الأصوليون، وذهب إليه بعض النحاة، واللغويين، واستفادة التكرار من (إذا) وغيرها من أدوات الشرط من القرائن الخارجية على الصحيح، ومن ذلك قوله :
إذا وجدت أوار الحب من كبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
وزعم أن التكرار الذي ذكره الأصوليون وغيرهم في كلما إنما جاء من عموم كل، لا من وضعها، وهو مخالف للمنقول، والمعقول، وقد استعملت هنا في لازم معناها كناية أو مجازا، وهو الحرص والمحبة لما دخلت عليه [ ص: 176 ] ولذا قال مع الإضاءة كلما، ومع الإظلام إذا، وقول أبو حيان أبي حيان : إن التكرار متى فهم من كلما هنا لزم منه التكرار في إذا، إذ الأمر دائر بين إضاءة البرق والإظلام، ومتى وجد ذا فقد ذا، فلزم من تكرار وجود ذا تكرار عدم ذا غفلة عما أرادوه من هذا المعنى الكنائي والمجازي، وأضاء إما متعد كما في قوله :أعد نظرا يا عبد قيس لعلما أضاءت لك النار الحمار المقيدا
ولا ريب في أن هذا الجزاء منتف عند انتفاء الشرط لاستحالة الضوء القمري عند طلوع الشمس، وإن لم يكن بينهما منافاة تعين عدم الدلالة، كحديث: فإن المدار المعتبر في ضمن الشرط أعني كونها ابنة الأخ غير مناف لانتفائه الذي هو كونها ربيبته، بل مجامع له، ومن ضرورته مجامعة أثريهما، أعني الحرمة الناشئة من هذا وهذا، وإن لم يعتبر تحقق مدار آخر بل بني الحكم على اعتبار عدمه فلا دلالة لها على ذلك أصلا، ومساق الكلام حينئذ لبيان ثبوت الجزاء على كل حال بتعليقه بما ينافيه ليعلم ثبوته عند وقوع ما لا ينافيه بالأولى، كما في قوله تعالى : (لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة)، قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم فإن الجزاء قد نيط بما ينافيه إيذانا بأنه في نفسه بحيث يجب ثبوته مع فرض انتفاء سببه، أو تحقق سبب انتفائه، فكيف إذا لم يكن كذلك على طريقة لو الوصلية، (ونعم العبد لو لم يخف الله لم يعصه)، صهيب إن حمل على تعليق عدم العصيان في ضمن عدم الخوف بمدار آخر كالحياء مما يجامع الخوف كان من قبيل حديث الربيبة، وإن حمل على بيان استحالة عصيانه مبالغة كان من هذا القبيل، والآية الكريمة واردة على الاستعمال الشائع مفيدة لفظاعة حالهم وهول ما دهمهم، وأنه قد بلغ الأمر إلى حيث لو تعلقت مشيئة الله تعالى بإزالة قواهم لزالت لتحقق ما يقتضيه اقتضاء تاما، وقيل : كلمة لو فيها، لربط جزائها بشرطها مجردة عن الدلالة على انتفاء أحدهما لانتفاء الآخر بمنزلة أن، ذكر جميع ذلك مولانا مفتي الديار الرومية، وأظنه قد أصاب الغرض، إلا أن كلام مولانا الساليكوتي يشعر باختيار أن (لو) موضوعة لمجرد تعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فيه من غير دلالة على انتفاء الأول، أو الثاني، أو على استمرار الجزاء [ ص: 178 ] بل جميع هذه الأمور خارجة عن مفهومها، مستفادة بمعونة القرائن كيلا يلزم القول بالاشتراك أو الحقيقة والمجاز من غير ضرورة، وبه قال بعضهم، وما ذهب إليه من أنها للدلالة على انتفاء الأول لانتفاء الثاني من لوازم هذا المفهوم، وكونه لازما لا يستلزم الإرادة في جميع الموارد، فإن الدلالة غير الإرادة، وذكر أن ما قالوه من أنها لتعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فرضا مع القطع بانتفائه، فيلزم لأجل انتفائه انتفاء ما علق به، فيفيد أن انتفاء الثاني في الخارج، إنما هو بسبب انتفاء الأول فيه، مع توقفه على كون انتفاء الأول مأخوذا في مدخولها، وقد عرفت أنه يستلزم خلاف الأصل يرد عليه أن المستفاد من التعليق على أمر مفروض الحصول إبداء المانع من حصول المعلق في الماضي، وأنه لم يخرج من العدم الأصلي إلى حد الوجود، وبقي على حاله لارتباط وجوده بأمر معدوم، وأما أن انتفاءه سبب لانتفائه في الخارج فكلا، كيف والشرط النحوي قد يكون مسببا مضافا للجزاء، نعم أن هذا مقتضى الشرط الاصطلاحي، وما استدل به العلامة التفتازاني على إفادتها السببية الخارجية من قول ابن الحاجب الحماسي :
ولو طار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر
إن الله على كل شيء قدير كالتعليل للشرطية، والتقرير لمضمونها الناطق بقدرته تعالى على إذهاب ما ذكر، لأن القادر على الكل قادر على البعض، والشيء لغة ما يصح أن يعلم، ويخبر عنه، كما نص عليه ، وهو شامل للمعدوم والموجود، الواجب والممكن، وتختلف إطلاقاته، ويعلم المراد منه بالقرائن، فيطلق تارة، ويراد به جميع أفراده، كقوله تعالى : سيبويه والله بكل شيء عليم بقرينة إحاطة العلم الإلهي بالواجب، والممكن، المعدوم والموجود، والمحال الملحوظ، بعنوان ما، ويطلق ويراد به الممكن مطلقا كما في الآية الكريمة بقرينة القدرة التي لا تتعلق إلا بالممكن، وقد يطلق، ويراد به الممكن الخارجي الموجود في الذهن، كما في قوله تعالى : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله بقرينة كونه متصورا مشيئا فعله غدا، وقد يطلق، ويراد به الممكن المعدوم الثابت في نفس الأمر، كما في قوله تعالى : إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون بقرينة إرادة التكوين التي تختص بالمعدوم، وقد يطلق، ويراد به الموجود الخارجي كما في قوله تعالى : وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا أي موجودا خارجيا لامتناع أن يراد نفي كونه شيئا بالمعنى اللغوي الأعم الشامل للمعدوم الثابت في نفس الأمر، لأن كل مخلوق فهو في الأزل شيء، أي معدوم ثابت في نفس الأمر، وإطلاق الشيء عليه قد قرر، والأصل في الإطلاق الحقيقة ولا يعدل عنه إلا لصارف ولا صارف، وشيوع استعماله في الموجود لا ينتهض صارفا إذ ذاك، إنما هو لكون تعلق الغرض في المحاورات بأحوال الموجودات أكثر لا لاختصاصه به لغة، وما ذكره مولانا من اختصاصه بالموجود لأنه في الأصل مصدر شاء، أطلق بمعنى شاء تارة، وحينئذ يتناول الباري تعالى، وبمعنى مشيء أخرى، أي مشيء وجوده، إلخ، ففيه مع ما فيه أنه يلزمه في قوله تعالى : البيضاوي والله بكل شيء عليم استعمال المشترك في معنييه، لأنه إذا كان بمعنى الشائي [ ص: 179 ] لا يشمل نحو الجمادات عنده، وإذا كان بمعنى المشيء وجوده، لا يشمل الواجب تعالى شأنه، وفي استعمال المشترك في معنييه خلاف، ولا خلاف في الاستدلال بالآية على إحاطة علمه تعالى، وأما ما ذكر في شرحي المواقف والمقاصد فجعجعة ولا أرى طحنا، وقعقعة ولا أرى سلاحا تقنا، وقد كفانا مؤنة الإطالة في رده مولانا الكوراني قدس سره، والنزاع في هذا، وإن كان لفظيا، والبحث فيه من وظيفة أصحاب اللغة، إلا أنه يبتني على النزاع في أن المعدوم الممكن ثابت أولا، وهذا بحث طالما تحيرت فيه أقوام، وزلت فيه أقدام.
والحق الذي عليه العارفون الأول، لأن المعدوم الممكن أي ما يصدق عليه هذا المفهوم يتصور ويراد بعضه دون بعض، وكل ما هو كذلك فهو متميز في نفسه من غير فرض الذهن، وكل ما هو كذلك فهو ثابت ومتقرر في خارج أذهاننا منفكا عن الوجود الخارجي، فما هو إلا في نفس الأمر، والمراد به علم الحق تعالى باعتبار عدم مغايرته للذات الأقدس، فإن لعلم الحق تعالى اعتبارين أحدهما أنه ليس غيرا، الثاني أنه ليس عينا، ولا يقال بالاعتبار الأول العلم تابع للمعلوم، لأن التبعية نسبة تقتضي متمايزين، ولو اعتبارا، ولا تمايز عند عدم المغايرة، ويقال ذلك بالاعتبار الثاني للتمايز النسبي المصحح للتبعية، والمعلوم الذي يتبعه العلم هو ذات الحق تعالى بجميع شئونه، ونسبه، واعتباراته، ومن هنا قالوا : علمه تعالى بالأشياء أزلا عين علمه بنفسه، لأن كل شيء من نسب علمه بالاعتبار الأول، فإذا علم الذات بجميع نسبها فقد علم كل شيء من عين علمه بنفسه، وحيث لم يكن الشريك من نسب العلم بالاعتبار الأول إذ لا ثبوت له في نفسه من غير فرض، إذ الثابت كذلك هو أنه تعالى لا شريك له، فلا يتعلق به العلم بالاعتبار الثاني ابتداء، ومتى كان تعلق العلم بالأشياء أزليا لم تكن أعداما صرفة، إذ لا يصح حينئذ أن تكون طرفا، إذ لا تمايز، فإذا لها تحقق بوجه ما، فهي أزلية بأزلية العلم، فلذا لم تكن الماهيات بذواتها مجعولة لأن الجعل تابع للإرادة، التابعة للعلم، التابع للمعلوم، الثابت، فالثبوت متقدم على الجعل بمراتب، فلا تكون من حيث الثبوت أثرا للجعل، وإلا لدار، وإنما هي مجعولة في وجودها لأن العالم حادث، وكل حادث مجعول، وليس الوجود حالا حتى لا تتعلق به القدرة، ويلزم أن لا يكون الباري تعالى موجدا للممكنات، ولا قادرا عليها، لأنه قد حقق أن الوجود بمعنى ما، بانضمامه إلى الماهيات الممكنة، يترتب عليها آثارها المختصة بها موجود، أما أولا فلأن كل مفهوم مغاير للوجود، فإنه إنما يكون موجودا بأمر ينضم إليه، وهو الوجود، فهو موجود بنفسه، لا بأمر زائد، وإلا لتسلسل، وامتيازه عما عداه بأن وجوده ليس زائدا على ذاته، وأما ثانيا، فلأنه لو لم يكن موجودا لم يوجد شيء أصلا، لأن الماهية الممكنة قبل انضمام الوجود متصفة بالعدم الخارجي، فلو كان الوجود معدوما كان مثلها محتاجا لما تحتاجه، فلا يترتب على الماهية بضمه آثارها، لأنه على تقدير كونه معدوما ليس فيه بعد العدم إلا افتقاره إلى الوجود، وهذا بعينه متحقق في الماهية قبل الضم، فلا يحدث لها بالضم وصف لم تكن عليه، فلو كان هذا الوجود المفتقر مفيدا لترتب الآثار لكانت الماهية مستغنية عن الوجود حال افتقارها إليه، واللازم باطل لاستحالة اجتماع النقيضين، فلا بد أن يكون الوجود موجودا بوجود هو نفسه، وإلا لتسلسل أو انتهى إلى وجود موجود بنفسه، والأول باطل والثاني قاض بالمطلوب، نعم الوجود بمعنى الموجودية حال، لأنه صفة اعتبارية، ليست بعرض، ولا سلب، ومع هذا يتعلق به الجعل، لكن لا ابتداء، بل بضم حصة من الوجود الموجود إلى الماهية، فيترتب على ذلك اتصاف الماهية بالموجودية، وظاهر أنه لا يلزم من عدم تعلق القدرة بالوجود بمعنى الموجودية ابتداء أن لا تتعلق به بوجه آخر، وإذا تبين [ ص: 180 ] أن الماهيات مجعولة في وجودها، فلا بد أن يكون وجود كل شيء عين حقيقته، بمعنى أن ما صدق عليه حقيقة الشيء من الأمور الخارجية هو بعينه ما صدق عليه وجوده، وليس لهما هويتان متمايزتان في الخارج كالسواد والجسم، إذ الوجود إن قام بالماهية معدومة لزم التناقض، وموجودة لزم وجودان مع الدور، أو التسلسل، والقول بأن الوجود ينضم إلى الماهية من حيث هي لا تحقيق فيه، إذ تحقق في محله أن الماهية قبل عروض الوجود متصفة في نفس الأمر بالعدم قطعا، لاستحالة خلوها عن النقيضين فيه، غاية الأمر أنا إذا لم نعتبر معها العدم لا يمكن أن نحكم عليها بأنها معدومة، وعدم اعتبارنا العدم معها حين عروض الوجود لا يجعلها منفكة عنه في نفس الأمر، وإنما يجعلها منفكة عنه باعتبارنا، وضم الوجود أمر يحصل لها باعتبار نفس الأمر، لا من حيث اعتبارنا، فخلوها عن العدم باعتبارنا لا يصحح اتصافها بالوجود من حيث هي هي في نفس الأمر سالما عن المحذور، فإذا ليس هناك هويتان تقوم إحداهما بالأخرى، بل عين الشخص في الخارج عين تعين الماهية فيه، وهو عين الماهية فيه أيضا، إذ ليس التعين أمرا وجوديا مغايرا بالذات للشخص منضما للماهية في الخارج ممتازا عنهما فيه مركبا منها، ومن الفرد، بل لا وجود في الخارج إلا للأشخاص، وهي عين تعيينات الماهية وعين الماهية في الخارج لاتحادهما فيه، وعلى هذا، فلا شك في مقدورية الممكن إذ جعله بجعل حصته من الوجود المطلق الموجود في الخارج مقترنة بأعراض وهيئات يقتضيها استعداد حصته من الماهية النوعية، فيكون شخصا، وإيجاد الشخص من الماهية على الوجه المذكور عين إيجاد الماهية، لأنهما متحدان في الخارج جعلا ووجودا، متمايزان في الذهن فقط، وهذا تحقيق قولهم : المجعول هو الوجود الخاص ولا يستعد معدوم لعروضه إلا إذا كان له ثبوت في نفس الأمر، إذ ما لا ثبوت له، وهو المنفي لا اقتضاء فيه لعروض الوجود بوجه، وإلا لكان المحال ممكنا، واللازم باطل فالثبوت الأزلي لماهية الممكن هو المصطلح لعروض الإمكان المصحح للمقدورية، لا أنه المانع كما توهموه، هذا والبحث طويل، والمطلب جليل، وقد أشبعنا الكلام عليه في الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية على وجه رددنا فيه كلام المعترضين المخالفين، لما تبعنا فيه ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم، وهذه نبذة يسيرة تنفعك في تفسير الآية الكريمة، فاحفظها، فلا أظنك تجدها في تفسير، وحيث كان الشيء عاما لغة واصطلاحا عند أهل الله تعالى، وإن ذهب إليه المعتزلة أيضا، فلا بد في مثل ما نحن فيه من تخصيصه بدليل العقل بالممكن.
والقدرة عند الأشاعرة صفة ذاتية ذات إضافة تقتضي التمكن من الإيجاد والإعدام والإبقاء لا نفس التمكن، لأنه أمر اعتباري، ولا نفي العجز عنه تعالى لأنه من الصفات السلبية، ولعل من اختار ذلك اختاره تقليلا للصفات الذاتية، أو نفيا لها، والقادر هو الذي إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل، ولكون المشيئة عندنا صفة مرجحة لأحد طرفي المقدور، وعند الحكماء العناية الأزلية، ساغ لنا أن نعرفه بما ذكر دونهم خلافا لمن وهم فيه، والقدير هو الفعال لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة، وقلما يوصف به غيره تعالى، والمقتدر إن استعمل فيه تعالى فمعناه القدير أو في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة، واشتقاق القدرة من القدر بمعنى التحديد، والتعيين، وفي الآية دليل على أن الممكن الحادث حال بقائه مقدور، لأنه شيء، وكل شيء مقدور له تعالى، ومعنى كونه مقدورا أن الفاعل إن شاء أعدمه، وإن شاء لم يعدمه، واحتياج الممكن حال بقائه إلى المؤثر مما أجمع عليه من قال: إن علة الحاجة هي الإمكان ضرورة أن الإمكان لازم له حال البقاء، وأما من قال: إن علة الحاجة الحدوث وحده، أو مع الإمكان قال باستغنائه إذ لا حدوث حينئذ، وتمسك في ذلك ببقاء البناء بعد فناء البناء، ولما رأى بعضهم شناعة ذلك قالوا : إن الجواهر لا تخلو عن الأعراض، وهي لا تبقى زمانين، فلا يتصور الاستغناء عن القادر سبحانه بحال ، وهذا مما ذهب إليه الأشعري [ ص: 181 ] ولما فيه من مكابرة الحس ظاهرا أنكره أهل الظاهر، نعم يسلمه العارفون من أهل الشهود، وناهيك بهم، حتى إنهم زادوا على ذلك فقالوا : إن الجواهر لا تبقى زمانين أيضا، والناس في لبس من خلق جديد، وأنا أسلم ما قالوا، وأفوض أمري إلى الله الذي لا يتقيد بشأن، وقد كان ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان، ثم المراد من هذا التمثيل تشبيه حال المنافقين في الشدة، ولباس إيمانهم المبطن بالكفر المطرز بالخداع حذر القتل بحال ذوي مطر شديد فيه ما فيه، يرقعون خروق آذانهم بأصابعهم حذر الهلاك إلى آخر ما علم من أوصافهم، ووجه الشبه وجدان ما ينفع ظاهره، وفي باطنه بلاء عظيم، وقيل : شبه سبحانه المنافقين بأصحاب الصيب وإيمانهم المشوب بصيب فيه ما تلى من حيث إنه وإن كان نافعا في نفسه لكنه لما وجد كذا، عاد نفعه ضرا، ونفاقهم حذرا عن النكاية بجعل الأصابع في الآذان مما دها حذر الموت من حيث إنه لا يرد من القدر شيئا، وتحيرهم لشدة ما عنى، وجهلهم بما يأتون ويذرون بأنهم كلما صادفوا من البرق خفقة انتهزوها فرصة مع خوف أن يخطف أبصارهم، فخطوا يسيرا، ثم إذا خفي بقوا متقيدين لا حراك لهم، وقيل : جعل الإسلام الذي هو سبب المنافع في الدارين كالصيب الذي هو سبب المنفعة، وما في الإسلام من الشدائد، والحدود بمنزلة الظلمات والرعد، وما فيه من الغنيمة والمنافع بمنزلة البرق، فهم قد جعلوا أصابعهم في آذانهم من سماع شدائده، وإذا لمع لهم برق غنيمة مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم بالشدائد قاموا متحيرين، وقيل : غير ذلك، وما تقتضيه جزالة التنزيل وتستدعيه فخامة شأنه الجليل غير خفي عليك، إذا لمعت بوارق العناية لديك، (ومن البطون) تشبيه من ذكر في التشبيه الأول بذوي صيب، فيكون قوله تعالى : كلما أضاء إلخ، إشارة إلى أنهم كلما وجدوا من طاعتهم حلاوة وعرضا عاجلا مشوا فيه، وإذا حبس عليهم طريق الكرامات تركوا الطاعات، وقال : إذا أضاء لهم مرادهم من الدنيا في الدين أكثروا من تحصيله، وإذا أظلم عليهم قاموا متحيرين، الحسين