ولو نشاء لمسخناهم أي لحولنا صورهم إلى صور أخرى قبيحة. عن أي لمسخناهم قردة وخنازير، وقيل: لمسخناهم حجارة وروي ذلك عن ابن عباس أبي صالح، ويعلم من هذا الخلاف أن في مسخ الحيوان المخصوص لا يشترط بقاء الصورة الحيوانية، وسمى بعضهم قلب الحيوان جمادا رسخا وقلبه نباتا فسخا، وخص المسخ بقلبه حيوانا آخر، ومفعول المشيئة على قياس السابق أي ولو نشاء مسخهم على مكانتهم لمسخناهم على مكانتهم أي مكانهم كالمقامة والمقام.
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم أنه قال في معنى الآية لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. ابن عباس
وقال الحسن وجماعة المعنى لو نشاء لأقعدناهم وأزمناهم وجعلناهم كسحا لا يقومون. وقرأ وقتادة الحسن "مكاناتهم" بالجمع لتعددهم وأبو بكر فما استطاعوا لذلك مضيا أي ذهابا إلى مقاصدهم ولا يرجعون [ ص: 46 ] قيل هو عطف على مضيا المفعول به لـ"استطاعوا" وهو من باب- تسمع بالمعيدي خير من أن تراه- فيكون التقدير فما استطاعوا مضيا ولا رجوعا وإلا فمفعول "استطاعوا" لا يكون جملة، والتعبير بذلك دون الاسم الصريح قيل للفواصل مع الإيماء إلى مغايرة الرجوع للمضي بناء على ما قال الإمام من أنه أهون من المضي لأنه ينبئ عن سلوك الطريق من قبل والمضي لا ينبئ عنه، وقيل لذلك مع الإيماء إلى استمرار النفي نظرا إلى ظاهر اللفظ، ويكون هناك ترق من جهتين إذا لوحظ ما أومأ إليه الإمام، وقيل له مع الإيماء إلى أن الرجوع المنفي ما كان عن إرادة واختيار فإن اعتبارهما في الفعل المسند إلى الفاعل أقرب إلى التبادر من اعتبارهما في المصدر.
واقتصر بعضهم في النكتة على رعاية الفواصل، والإمام يعد الاقتصار على رعاية الفواصل في بيان نكتة العدول عن الظاهر تقصيرا، وقيل: هو عطف على جملة ما استطاعوا، والمراد ولا يرجعون عن تكذيبهم لما أنه قد طبع على قلوبهم، وقيل: هو عطف على ما ذكر إلا أن المعنى ولا يرجعون إلى ما كانوا عليه قبل المسخ، وليس بالبعيد.
وعلى القولين المراد بالمضي الذهاب عن المكان، ونفي استطاعته مغن عن نفي استطاعة الرجوع، وأيا ما كان فالظاهر أن هذا وكذا ما قبله لو كان لكان في الدنيا، وقال ابن سلام : هذا التوعد كله يوم القيامة، وهو خلاف الظاهر ولا يكاد يصح على بعض الأقوال.
وأصل مضيا مضوي اجتمعت الواو ساكنة مع الياء فقلبت ياء كما هو القاعدة، وأدغمت الياء في الياء وقلبت ضمة الضاد كسرة لتخف وتناسب الياء. وقرأ أبو حيوة وأحمد بن جبير الأنطاكي عن "مضيا" بكسر الميم اتباعا لحركة الضاد كالعتي بضم العين والعتي بكسرها. وقرئ "مضيا" بفتح الميم فيكون من المصادر التي جاءت على فعيل كالرسيم والوجيف والصئي بفتح الصاد المهملة بعدها همزة مكسورة ثم ياء مشددة مصدر صأى الديك أو الفرخ إذا صاح
الكسائي