للرب لأنه عنده تعالى فهي مثلها في قولهم : شاة رقود الحلب ، وهي بمعنى - عند - عند الكوفيين أي رقود عند الحلب ، وبمعنى اللام عند الجمهور كما صرح به شراح التسهيل وليست لأدنى ملابسة كما زعم أيضا ، ثم إن المراد بالعندية هنا مما لا يخفى ، وجوزأن يكون مقحما على سبيل الكناية ، فالمراد ولمن خاف ربه لكن بطريق برهاني بليغ ، ومثله قول الشماخ :
ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين
وهو الأظهر على ما ذكره صاحب الكشف ، والظاهر أن المراد ولكل فرد فرد من الخائفين : ( جنتان ) فقيل :
إحداهما منزله ومحل زيارة أحبابه له ، والأخرى منزل أزواجه وخدمه ، وإليه ذهب ، وقيل : بستانان بستان داخل قصره وبستان خارجه ، وقيل : منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوفر دواعي لذته وتظهر ثمار كرامته ، وأي هذا ممن يطوف بين النار ، وبين حميم آن ؟ ؟ . الجبائي
وجوز أن يقال : جنة لعقيدته وجنة لعمله ، أو جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي ، أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه ، أو إحداهما روحانية والأخرى جسمانية ، ولا يخفى أن الصفات الآتية ظاهرة في الجسمانية .
وقال : جنة عدن وجنة نعيم ، وقيل : المراد لكل خائفين منكما جنتان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني ، فإن الخطاب للفريقين ، وهذا عندي خلاف الظاهر ، وفي الآثار ما يبعده ، فقد أخرج مقاتل في شعب الإيمان عن البيهقي أنه كان شاب على عهد الحسن رضي الله تعالى عنه ملازم للمسجد والعبادة فعشقته جارية فأتته في خلوة فكلمته فحدثته نفسه بذلك فشهق شهقة فغشي عليه فجاء عم له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال : يا عم انطلق إلى عمر فأقرئه مني السلام وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه ؟ فانطلق فأخبر عمر وقد شهق الفتى شهقة أخرى فمات فوقف عليه عمر رضي الله تعالى عنه فقال : لك جنتان لك جنتان . عمر
والخوف في الأصل توقع مكروه عند أمارة مظنونة أو معلومة ويضاده الأمن قال : والخوف من الله تعالى لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد بل إنما يراد به الكف عن المعاصي وتحري الطاعات ، ولذلك قيل : لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا ، ويؤيد هذا تفسير الراغب رضي الله تعالى عنهما الخائف هنا كما أخرج ابن عباس عنه بمن ركب طاعة الله تعالى وترك معصيته . ابن جرير
وقول : هو الرجل يريد الذنب فيذكر الله تعالى فيدع الذنب ، والذي يظهر أن ذلك تفسير باللازم ، وقد يقال : إن ارتكاب الذنب قد يجامع الخوف من الله تعالى وذلك كما إذا غلبته نفسه ففعله خائفا من عقابه تعالى عليه ، وأيد ذلك بما أخرجه مجاهد أحمد والنسائي والطبراني والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وجماعة عن وابن أبي شيبة أبي الدرداء ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : الثانية ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت : وإن زنى وإن سرق ؟
فقال الثالثة : ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال : نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء» وأخرج «أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ هذه الآية الطبراني من طريق وابن مردويه الجريري عن أخيه قال : سمعت محمد بن سعد يقرأ - ولمن خاف مقام ربه جنتان - وإن زنى وإن سرق - فقلت : ليس فيه وإن زنى وإنسرق [ ص: 117 ]
فقال : سمعت أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه يقرؤها كذلك فأنا أقرؤها كذلك حتى أموت ، وصرح بعضهم أن المراد بالخوف في الآية أشده فتأمل . وجاء في شأن هاتين الجنتين من
حديث عياض بن غنم مرفوعا «إن عرض كل واحدة منهما مسيرة مائة عام » والآية على ما روي عن ابن الزبير وابن شوذب نزلت في . أبي بكر
وأخرج ابن أبي حاتم في العظمة عن وأبو الشيخ أن عطاء أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ذكر ذات يوم وفكر في القيامة والموازين والجنة والنار وصفوف الملائكة وطي السماوات ونسف الجبال وتكوير الشمس وانتثار الكواكب فقال : وددت أني كنت خضرا من هذه الخضر تأتي علي بهيمة فتأكلني وأني لم أخلق فنزلت ولمن خاف مقام ربه جنتان