الضمير للآلاء المعدودة من - الجنتين ، والعينين ، والفاكهة والفرش، والجني والمراد معهن قاصرات الطرف أي نساء يقصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم ، أو يقصرن طرف الناظر إليهن عن التجاوز إلى غيرهن ، قال ابن رشيق في قول امرئ القيس :
من القاصرات الطرف لو دب محول من الذر فوق الإتب منها لأثرا
أراد بالقاصرات الطرف أنها منكسرة الجفن خافضة النظر غير متطلعة لما بعد ولا ناظرة لغير زوجها ، ويجوز أن يكون معناه أن طرف الناظر لا يتجاوزها كقول : المتنبي
[ ص: 119 ]
وخصر تثبت الأبصار فيه كأن عليه من حدق نطاقا
أخرج عن ابن مردويه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال في ذلك «لا ينظرن إلا إلى أزواجهن» ومتى صح هذا ينبغي قصر الطرف عليه ، وفي بعض الآثار تقول الواحدة منهن لزوجها :
وعزة ربي ما أرى في الجنة أحسن منك فالحمد لله الذي جعلني زوجك وجعلك زوجي ،( والطرف ) في الأصل مصدر فلذلك وحد لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان قال : لم يفتضهن قبل أزواجهن إنس ولا جان ، وفيه إشارة إلى أن ضمير قبلهن للأزواج ، ويدل عليه ( قاصرات الطرف ) وفي البحر هو عائد على من عاد عليه الضمير في ( متكئين) ، وأصل الطمث خروج الدم ولذلك يقال للحيض طمث ، ثم أطلق على جماع الأبكار لما فيه من خروج الدم ، وقيل : ثم عمم لكل جماع ، وهو المروي هنا عن ابن عباس ، وإلى الأول ذهب الكثير ، وقيل : إن التعبير به للإشارة إلى أنهن يوجدن أبكارا كلما جومعن ، ونفي طمثهن عن الإنس ظاهر ، وأما عن الجن فقال عكرمة مجاهد : قد تجامع الجن نساء البشر مع أزواجهم إذا لم يذكر الزوج اسم الله تعالى فنفى هنا جميع المجامعين وقيل : والحسن
لا حاجة إلى ذلك إذ يكفي في نفي الطمث عن الجن إمكانه منهم ، ولا شك في إمكان جماع الجني إنسية بدون أن يكون مع زوجها الغير الذاكر اسم الله تعالى ، ويدل على ذلك ما رواه أبو عثمان سعيد بن داود الزبيدي قال : كتب قوم من أهل اليمن إلى يسألونه عن نكاح الجن وقالوا : إن ها هنا رجلا من الجن يزعم أنه يريد الحلال فقال ما أرى بذلك بأسا في الدين ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل قيل : من زوجك ؟ قالت : من الجن فيكثر الفساد في الإسلام ، ثم إن دعوى أن الجن تجامع نساء البشر جماعا حقيقيا مع أزواجهم إذا لم يذكروا اسم الله تعالى غير مسلمة عند جميع العلماء ، وقوله تعالى : مالك وشاركهم في الأموال والأولاد [الإسراء : 64] غير نص في المراد كما لا يخفى ، وقال ضمرة بن حبيب : الجن في الجنة لهم قاصرات الطرف من الجن نوعهم ، فالمعنى لم يطمث الإنسيات أحد من الإنس ، ولا الجنيات أحد من الجن قبل أزواجهن ، وقد أخرج نحو هذا عنه ، وظاهره أن ما للجن لسن من الحور . ابن أبي حاتم
ونقل الطبرسي عنه أنهن من الحور وكذا الإنسيات ، ولا مانع من أن يخلق الله تعالى في الجنة حورا للإنس يشاكلنهم يقال لهن لذلك إنسيات ، وحورا للجن يشاكلنهم يقال لهن لذلك جنيات ، ويجوز أن تكون الحور كلهن نوعا واحدا ويعطى الجني منهن لكنه في تلك النشأة غيره في هذه النشأة ، ويقال : ما يعطاه الإنسي منهن لم يطمثها إنسي قبله ، وما يعطاه الجني لم يطمثها جني قبله وبهذا فسر البلخي الآية ، وقال الشعبي : تلك القاصرات الطرف من نساء الدنيا لم يمسسهن منذ أنشئن النشأة الآخرة خلق قبل والذي يعطاه الإنسي زوجته المؤمنة التي كانت له في الدنيا ويعطى غيرها من نسائها المؤمنات أيضا ، ويبعد أن يعطى الجني من نساء الدنيا الإنسانيات في الآخرة . والكلبي
والذي يغلب على الظن أن الإنسي يعطي من الإنسيات والحور والجني يعطى من الجنيات والحور ولا يعطى إنسي جنية ، ولا جني إنسية وما يعطاه المؤمن إنسيا كان أو جنيا من الحور شيء يليق به وتشتهيه نفسه ، وحقيقة تلك النشأة وراء ما يخطر بالبال ، واستدل بالآية على أن ويجامعون فيها كالإنس فهم باقون فيها منعمين كبقاء المعذبين منهم في النار ، وهو مقتضى ظاهر ما ذهب إليه الجن يدخلون الجنة أبو يوسف ومحمد ، [ ص: 120 ] وابن أبي ليلى
. وعليه الأكثر - كما ذكره العيني في شرح والأوزاعي - من أنهم يثابون على الطاعة ويعاقبونعلى المعصية ، ويدخلون الجنة فإن ظاهره أنهم كالإنس يوم القيامة ، وعن البخاري الإمام أبي حنيفة ثلاث روايات الأولى أنهم لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا كسائر الحيوانات ، الثانية أنهم من أهل الجنة ولا ثواب لهم أي زائد على دخولها ، الثالثة التوقف قال الكردري : وهو في أكثر الروايات ، وفي فتاوى أبي إسحاق ابن الصفار أن الإمام يقول : لا يكونون في الجنة ولا في النار ولكن في معلوم الله تعالى .
ونقل عن وطائفة أنهم يكونون في ربض الجنة ، وقيل : هم أصحاب الأعراف ، وعن مالك أنهم يلهمون التسبيح والذكر فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو الضحاك آدم من نعيم الجنة وعلى القول بدخولهم الجنة قيل :
نراهم ولا يرونا عكس ما كانوا عليه في الدنيا ، وإليه ذهب الحارث المحاسبي ، وفي اليواقيت الخواص منهم يرونا كما أن الخواص منا يرونهم في الدنيا ، وعلى القول بأنهم يتنعمون في الجنة قيل : إن تنعمهم بغير رؤيته عز وجل فإنهم لا يرونه ، وكذا الملائكة عليهم السلام ما عدا جبريل عليه السلام فإنه يراه سبحانه مرة ولا يرى بعدها على ما حكاه أبو إسحاق إبراهيم بن الصفار في فتاويه عن أبيه ، والأصح ما عليه الأكثر مما قدمناه وأنهم لا فرق بينهم وبين البشر في الرؤية وتمامه في محله ، وقرأ طلحة وأصحاب وعيسى عبد الله «يطمثهن» بضم الميم هنا وفيما بعد ، وقرأ أناس بضمه في الأول وكسره في الثاني . وناس بالعكس وناس بالتخيير ، والجحدري بفتح الميم فيهما ، والجملة صفة - لقاصرات الطرف - لأن إضافتها لفظية أو حال منها لتخصيصها بالإضافة