صحف إبراهيم وموسى بدل من الصحف الأولى وفي إبهامها ووصفها بالقدم ثم بيانها وتفسيرها من تفخيم شأنها ما لا يخفى، وكانت صحف إبراهيم عشرة وكذا صحف موسى عليه السلام، والمراد بها ما عدا التوراة.
أخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن قال: قلت: يا رسول الله، كم أنزل الله تعالى من كتاب؟ قال: «مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل على أبي ذر شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان». قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: «أمثال كلها: أيها الملك المتسلط على المبتلى المغرور لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم؛ فإني لا أردها ولو كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه ويتذكر فيما صنع، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال؛ فإن في هذه الساعة عونا لتلك الساعات واجتماعا للقلوب وتفريغا لها، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه فإن من حسب كلامه من عمله أقل الكلام إلا فيما يعنيه، وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث: مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ في غير محرم». قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى؟ قال: «كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم يفرح، ولمن أيقن بالنار ثم يضحك، ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها، ولمن أيقن بالقدر ثم يغضب، ولمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل». قلت: يا رسول الله، هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال: «يا نعم: أبا ذر، قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ».
والله تعالى أعلم بصحة الحديث. وقرأ «إبرهم» بحذف الألف والياء وبالهاء مفتوحة ومكسورة أبو رجاء وعبد الرحمن بن أبي بكرة بكسرها لا غير. وقرأ أبو موسى الأشعري «إبراهام» بألفين في كل القرآن. وقرأ وابن الزبير: «إبراهم» بألف وفتح الهاء وبغير ياء. وجاء كما قال مالك بن دينار: ابن خالويه: «إبرهم» بضم الهاء بلا ألف ولا ياء وهذا من تصرفات العرب في الأسماء الأعجمية؛ فإن إبراهيم على الصحيح منها. وحكى الكرماني في عجائبه أنه اسم عربي مشتق من البرهمة وهي شدة النظر ونسبه قد تقدم وكذا نسب موسى صلى الله تعالى عليهما وسلم.