ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون
ذرهم دعهم عن النهي، عما هم عليه بالتذكرة، والنصيحة. إذ لا سبيل إلى ارعوائهم عن ذلك، وبالغ في تخليتهم وشأنهم، بل مرهم بتعاطي ما يتعاطونه. يأكلوا ويتمتعوا بدنياهم. وفي تقديم الأكل إيذان بأن تمتعهم إنما هو من قبيل تمتع البهائم بالمآكل [ ص: 65 ] والمشارب. والمراد: دوامهم على ذلك لا إحداثه، فإنهم كانوا كذلك. أو تمتعهم بلا استماع ما ينغص عيشهم من القوارع، والزواجر، فإن التمتع على ذلك الوجه أمر حادث، يصلح أن يكون مترتبا على تخليتهم وشأنهم، ويلههم ويشغلهم عن اتباعك، أو عن التفكر فيما هم يصيرون إليه، أو عن الإيمان، والطاعة، فإن الأكل والتمتع يفضيان إلى ذلك الأمل والتوقع لطول الأعمار، وبلوغ الأوطار، واستقامة الأحوال، وأن لا يلقوا في العاقبة والمآل إلا خيرا. فالأفعال الثلاثة مجزومة على الجوابية للأمر، حسبما عرفت من تضمن الأمر بالترك للأمر بها على طريقة المجاز، أو على أن يكون المراد بالأفعال المرقومة مباشرتهم لها غافلين عن وخامة عاقبتها، غير سامعين لسوء مغبتها أصلا، ولا ريب في ترتب ذلك على الأمر بالترك، فإن النهي عما هم عليه من ارتكاب القبائح مما يشوش عليهم متعهم، وينغص عليهم عيشهم، فأمر عليه السلام بتركه ليتمرغوا فيما هم فيه من حظوظهم، فيدهمهم ما يدهمهم، وهم عنه غافلون فسوف يعلمون سوء صنيعهم، أو وخامة عاقبته، أو حقيقة الحال التي ألجأتهم إلى التمني المذكور، حيث لم يعلموا ذلك من جهتك، وهو مع كونه وعيدا أيما وعيد، وتهديدا غب تهديد، تعليل للأمر بالترك، فإن علمهم ذلك علة لترك النهي، والنصيحة لهم، وفيه إلزام للحجة، ومبالغة في الإنذار إذ لا يتحقق الأمر بالضد إلا بعد تكرر الإنذار، وتقرر الجحود، والإنكار، وكذلك ما ترتب عليه من الأكل، والتمتع، والإلهاء.