وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم
وما أهلكنا شروع في بيان سر تأخير عذابهم إلى يوم القيامة، وعدم نظمهم في سلك الأمم الدارجة في تعجيل العذاب، أي: ما أهلكنا من قرية من القرى بالخسف بها، وبأهلها كما فعل ببعضها، أو بإخلائها عن أهلها غب إهلاكهم كما فعل بآخرين، إلا ولها في ذلك الشأن كتاب أي: أجل مقدر مكتوب في اللوح واجب المراعاة، بحيث لا يمكن تبديله لوقوعه حسب الحكمة المقتضية له، معلوم لا ينسى، ولا يغفل عنه حتى يتصور التخلف عنه، بالتقدم والتأخر. فكتاب مبتدأ خبره الظرف، والجملة حال من قرية، فإنها لعمومها لا سيما بعد تأكده بكلمة من في حكم الموصوفة، كما أشير إليه. والمعنى: ما أهلكنا قرية من القرى في حال من الأحوال إلا حال أن يكون لها كتاب، أي: أجل موقت لمهلكها قد كتبناه، لا نهلكها قبل بلوغه معلوم لا يغفل عنه، حتى يمكن مخالفته بالتقدم والتأخر، أو مرتفع بالظرف، والجملة كما هي حال أي: ما أهلكنا قرية من القرى في حال من الأحوال إلا وقد كان لها في حق هلاكها كتاب، أي: أجل مقدر مكتوب في اللوح معلوم لا يغفل عنه، أو صفة لكن لا للقرية المذكورة، بل للمقدرة التي هي بدل من المذكورة على المختار، فيكون بمنزلة كونه صفة للمذكورة، أي: ما أهلكنا قرية من القرى إلا قرية لها كتاب معلوم، كما في قوله تعالى: ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن فإن قوله تعالى: "لا يسمن" صفة. لكن لا للطعام المذكور; لأنه إنما يدل على انحصار طعامهم الذي لا يسمن في الضريع، وليس المراد ذلك، بل للطعام المقدر بعد إلا، أي: ليس لهم طعام من شيء من الأشياء إلا طعام لا يسمن، فليس فيه فصل بين الموصوف والصفة بكلمة إلا كما توهم، وأما توسيط الواو بينهما [ ص: 66 ] وإن كان القياس عدمه فللإيذان بكمال الالتصاق بينهما، من حيث إن الواو شأنها الجمع، والربط. فإن ما نحن فيه من الصفة أقوى لصوقا بالموصوف منها به. في قوله تعالى: وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون فإن امتناع انفكاك الإهلاك عن الأجل المقدر عقلي. وعن الإنذار عادي جرى عليه السنة الإلهية. ولما بين أن الأمم المهلكة كان لكل منهم وقت معين لهلاكهم لم يكن إلا حسبما كان مكتوبا في اللوح، بين أن كل أمة من الأمم منهم، ومن غيرهم لها كتاب لا يمكن التقدم عليه، ولا التأخر عنه.