والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون
والذين هاجروا في الله أي: في شأن الله تعالى، ورضاه، وفي حقه، ولوجهه. من بعد ما ظلموا ولعلهم الذين ظلمهم أهل مكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجوهم من ديارهم، فهاجروا إلى الحبشة، ثم بوأهم الله تعالى المدينة حسبما وعد بقوله سبحانه: لنبوئنهم في الدنيا حسنة أي: مباءة حسنة، أو تبوئة حسنة، كما قال . وهو الأنسب بما هو المشهور من كون السورة غير ثلاث آيات من آخرها مكية. وأما ما نقل عن قتادة رضي الله عنهما من أنها ابن عباس ، صهيب ، وبلال ، وعمار ، وخباب وعابس ، وجبير ، وأبي جندل بن سهيل . أخذهم المشركون فجعلوا يعذبونهم، ليردوهم عن الإسلام. فأما نزلت في فقال لهم : أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم، وإن كنت عليكم لم أضركم، فافتدى منهم بماله، وهاجر. فلما رآه صهيب رضي الله عنه قال: ربح البيع يا أبو بكر . وقال عمر رضي الله عنه: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، فإنما يناسب ما حكي عن الأصم من كون كل السورة مدنية. وما نقل عن قتادة من كون هذه الآية إلى آخر السورة مدنية، فيحمل ما نقلناه عنه من نزول الآية في أصحاب الهجرتين على أن يكون نزولها صهيب بالمدينة بين الهجرتين، وأما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جملتهم فلا يساعده نظم التنزيل، ولا شأنه الجليل. وقرئ: (لنثوينهم) ومعناه: إثواءة حسنة، أو لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة، وهي: الغلبة على من ظلمهم من أهل مكة ، وعلى العرب قاطبة، وأهل الشرق، والغرب كافة. ولأجر الآخرة أي: أجر أعمالهم المذكورة في الآخرة أكبر مما يعجل لهم في الدنيا. وعن رضي الله عنه أنه كان إذا أعطى رجلا من عمر المهاجرين عطاء قال له: خذ بارك الله تعالى لك فيه هذا ما وعدك الله تعالى في الدنيا، وما ادخر في الآخرة أفضل. لو كانوا يعلمون الضمير للكفار، أي: لو علموا أن الله تعالى يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين، لوافقوهم في الدين. وقيل للمهاجرين : [ ص: 116 ] أي: لو علموا ذلك لزادوا في الاجتهاد، أو لما تألموا لما أصابهم من المهاجرة، وشدائدها.