فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين
فدلاهما [ ص: 221 ] فنزلهما على الأكل من الشجرة ، وفيه تنبيه على أنه أهبطهما بذلك من درجة عالية ، فإن التدلية والإدلاء : إرسال الشيء من الأعلى إلى الأسفل .
بغرور بما غرهما به من القسم ، فإنهما ظنا أن أحدا لا يقسم بالله كاذبا ، أو متلبسين بغرور .
فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما ; أي : فلما وجدا طعمها آخذين في الأكل منها ، أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية ، فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما ، واختلف في أن الشجرة كانت السنبلة ، أو الكرم ، أو غيرهما ، وأن اللباس كان نورا أو ظفرا .
وطفقا يخصفان طفق : من أفعال الشروع والتلبس ، كأخذ ، وجعل ، وأنشأ ، وعلق ، وهب ، وانبرى ; أي : أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة .
عليهما من ورق الجنة قيل : كان ذلك ورق التين ، وقرئ : ( يخصفان ) من أخصف ; أي : يخصفان أنفسهما ، ويخصفان من التخصيف ، ويخصفان أصله : يختصفان .
وناداهما ربهما مالك أمرهما بطريق العتاب والتوبيخ .
ألم أنهكما وهو تفسير للنداء ، فلا محل له من الإعراب ، أو معمول لقول محذوف ; أي : وقال أو قائلا : ألم أنهكما .
عن تلكما الشجرة ما في اسم الإشارة من معنى البعد ، لما أنه إشارة إلى الشجرة التي نهي عن قربانها .
وأقل لكما عطف على أنهكما ; أي : ألم أقل لكما .
إن الشيطان لكما عدو مبين وهذا عتاب وتوبيخ على الاغترار بقول العدو ، كما أن الأول عتاب على مخالفة النهي ، قيل : فيه دليل على أن مطلق النهي للتحريم ، ولكما متعلق بعدو لما فيه من معنى الفعل ، أو بمحذوف هو حال من عدو ، ولم يحك هذا القول ههنا ، وقد حكي في سورة طه بقوله تعالى : إن هذا عدو لك ولزوجك ... الآية .
روي أنه تعالى قال لآدم : ألم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة ; فقال : بلى وعزتك ، ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا . قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ، ثم لا تنال العيش إلا كدا ; فأهبط وعلم صنعة الحديد ، وأمر بالحرث فحرث ، وسقى وحصد ، ودرس وذرى ، وعجن وخبز .